ما قام بالعبادة المطلقة إلا أهل الحقائق - الشيخ محمد بن يلس

قال الشيخ محمد بن يلس التلمساني الشاذلي الدرقاوي قدس سره:

قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا الدهر، فإن الدهر هو الله"، وفي حديث قدسي أيضاً: "قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر".

أي أنا الوجود المطلق الذي يندرج فيه كل شيء من زمان أو مكان أو نسبة أو حكم أو صورة أو معنى، لأني أنا الأول والآخر والظاهر والباطن كما نص القرآن المعظم. نعم، شؤون الحق، بالنسبة إليه كل على حدة، يقال فيها بالاتصال والانفصال والامتداد والتدريج والحلول والاتحاد والقدم النسبي والحدوث النسب والتولد من بعضها بعضاً.

فمن كان قاصر الفهم قال: الأصل هو العلة، ومنهم من قال: الطبيعة، ومنهم من قال: وما يهلكنها إلا دهر، ومنهم من اتخذ إلهه هواه، ومنهم من قال: الأولى التوجه بالعبادة للنور أو الظلمة أو العنصر، ومنهم من توجه للحجر وللشجر وللنار، أو للإنسان.

وكل ذلك ضلال عن الوجود المطلق وميل إلى المحصور المقيد، ولذا قامت الحجة الإبراهيمية على عبّاد الأوثان وإن قالوا: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى. فإنهم وإن عبدوه في باطن الأمر، ولكن فاتهم من الحق وجوه لا تنحصر، وما قام بالعبادة المطلقة إلا أهل الحقائق المتجردون عن العلوم الفكرية، المتمسكون بالعرى الوثيقة الإيمانية، ولذلك ورد في الحديث: "أهل القرآن أهل الله وخاصته"وما يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب، وهم الذين عرفوا نفوسهم بنور الله الكاشف فعرفوا ربهم.

قال تعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى}، أي قل يا أكمل الرسل للمحجوبين الغافلين عن سر سريان الوحدة الذاتية الإلهية في المظاهر كلها والمجالي برمتها أن سموا الذات الأحدية، التي هي ينبوع بجر الوجود ومنشأ عموم المظاهر والموجود باسم الله المستجمع لجميع الأسماء والصفات إجمالاً، أو باسم الرحمن أي اسم الصفات التي اتصفت بها الذات الأحدية تفصيلاً، فأياً ما تدعو من أسماء الذات والصفات فلله الأسماء الكاملة الدالة على أحديته، وغاية ما في الباب أنها باعتبار شؤونه وتجلياته قد تتعدد أسماؤه وصفاته، وبالجملة الاسم والمسمى كلاهما متحدان عند سقوط الإضافات وجمع التعينات واطراح الاعتبارات، ولا يتصور التعدد في جنابه إلا وهماً واعتباراً.