أقوال العارفين في توحيد الشهود والعيان -1

قال العارف سيدي عبيد الله الأحرار: بقاء البقاء شهود الذات لنفسها من لباس المظاهر من غير وصف الكثرة بل بنعت الوحدة ويقال لهذا الشهود عند الصوفية شهود الاحدية في الكثرة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الشهود بعد البعثة.
وقال أيضاً: إذا أزيل صدأ النقوش الكونية عن وجه مرآة القوة المدركة لا يبقى في محاذاتها شيء سوى الذات البحت.
وقال أيضاً: إن السير على نوعين: سير مستطيل وسير مستدير. فالسير المستطيل بعد على بعد، والسير المستدير قرب في قرب، فإن السير المستطيل هو طلب المقصود ن خارج دائرة نفسه والسير المستدير هو الدوران حول نفسه وطلب المقصود من نفسه.
وقال في معنى قوله تعالى: {إنا أعطيناك الكوثر}: قال المحققون في تفسير هذه الآية: إنا أعطيناك الكوثر بمعنى أعطيناك شهود الأحدية في الكثرة، فمن كان مقامه هذا المشهد لا جرم تكون له كل ذرة من ذرات الكائنات مرآة يشاهد فيها جمال الوجه الباقي ويكون المسمى بالسوى لمثل هذا الشخص سبباً لمزيد الشهود وباعثاً على تجلي الوجود، فكيف تكون الأسباب الدنيوية حجباً على الجمال المقصود وكيف تتصور المحجوبية والاحتجاب لجمال المحبوب المحمود.
ويقول عبيد الله أحرار: « كمال الحمد أن يحمده العبد ويعرف أنه لا حامد إلا هو تعالى. وأنه - أي العبد - عدم محض لا رسم له ولا اسم ولا فعل وإنما يبتهج سرورا بكونه تعالى جعله مظهرا لصفاته  فانه إذا تجلى الحق على قلبه - أي السالك - بالتجلي القهري يمحو منه الغير والسوا، فلا يبقى فيه إلا هو فلا جرم يسمع في هذا القلب لمن الملك اليوم لله الواحد القهار، وسبحاني ما أعظم شأني وأنا الحق وهل في الدارين غيري
وقال الشيخ عبد الرحمن الجامي: الحمد لله الذي تجلى بذاته لذاته، فتعين في باطن علمه مجالي ذاته وصفاته، ثم انعكست آثار تلك المجالي إلى ظاهره من الباطن، فصارت الوحدة كثرة كما تشاهد وتعاين، والصلاة والسلام على من به رجعت تلك الكثرة إلى وحدتها الأولى وعلى آله وصحبه الذين لهم في وراثة هذه الفضيلة اليد الطولى.
وقال الشيخ البرزنجي: ومطلق بالإطلاق الحقيقي الذي لا يقابله تقييد القابل لكل إطلاق وتقييد، فإطلاقه عدم تقيده بغيره في عين الظهور بالقيود لا عدم ظهوره في القيود ولا عدم ظهوره إلا في القيود، فله التفرد عن الظهور في الأشياء بمقتضى "كان الله ولم يكن شيء غيره"، وله التجلي فيما شاء من المظاهر بمقتضى {وهو معكم أينما كنتم}ولكن لا يتقيد بذلك فإنه من وراء ذلك بمقتضى: {والله من ورائهم محيط}.
قال الشيخ ابن سبعين: الحقيقة هي بوجه ما الخبر الذي يحصر العدد للواحد ويصرفه إليه، والواحد للوجود، والوجود للموجود الذي يقال فيه بحسب هذا الاصطلاح أنه الوجود... وهذا المظهر هو ذات المعنى الذي ينصرف إلى بده ولا يخبر عنه إلا حقيقته، أعني الله الذي يتجلى لنفسه.
قال الشيخ محمد دمرداش الخلوتي: أول درج التحقيق الخروج من المراتب وتجريد التوحيد عنها... ومراتب الفردانية الخلوص من المراتب وتوحيد الله من وراء المراتب وشهوده من وراء المراتب فشهوده بهذا الشهود عين كل شيء.
وقال: اعلم أن التوحيد عبارةٌ عن الوحدة الحقيقية التي يزاد عليها مطلقاً لا من حيث الظهور و[لا] البطون، وكل فردٍ من أفراد العالم فلا يخرج منها ولا يدخل فيها ظاهراً كان أو باطناً لأن تلك الوحدة الحقيقية جلت وتقدست عن أن يكون معها شيءٌ زائد على ذاتها، فإن الذات المطلقة تأبى ذلك من حيث حقيقتها لكونها غنيةٌ عمن سواها فلهذا لا يصح أن يحكم عليها بحكمٍ من حيث إطلاقها الذاتي ولا توصف بوصف ولا يضاف إليها نسبة ما من وحدةٍ أو وجوب أو صدور أثر أو تعلق علم منه بنفسه أو غيره... فهذا العرفان يرجع إلى نفسه والحق سبحانه وتعالى محتجبٌ بحجاب عزة كبريائه لا يعلم بدليلٍ ولا ببرهان، بل هو يعلم نفسه وذاته كما ينبغي لجلاله ويليق بجماله وكماله، وتوحيده إياه معرى عن الغير والواسطة وهو عبارة عن علم الحق نفسه لنفسه وإدراكه لها بغير كيفية الإدراك فاعلم ذلك.
وقال: واعلم أن التوحيد الذاتي اختصه الحق لنفسه لا يصح أن يوحده به غيره هذا التوحيد الذي أفرده الحق لنفسه لا يزاحمه فيه أحد من المخلوقات، وهو توحيد الذات عما سواها وتجريدها من جميع الاعتبارات بحيث لا يفهم ولا يرى في الوجود إلا ذات واحدة بعينها وتعينها في عينها.
ذاتٌ لا ترى عين ما ترى ... ... عين ما ترى ذاتٌ لا ترى
فبطونها كنزٌ لا يرى ... ... ... وظهورها عين ما ترى
... ... ... ... ****
أشرقت الشموس فانجلى الظلام ... ولاح الحبيب لأهل الغرام
ودارت لنا كؤوس من المدام ... وعنت لنا: ذاتٌ لا ترى
وقال أيضاً: اعلم أن الحقائق الأصلية مندرجة في حقيقة الحقائق التي هي التعين الأول، وهي أول مرتبة الذات الأقدس من المراتب المعلومة عندالعلماء المحققين من أهل التوحيد، وهي الكنزية والوحدة والأحدية والواحدية والألوهية والربوبية والهوية والمعية المحيطة بكل فرد من أفراد العالم، وهذا الذات الأقدس هو الأصل الجامع على الإطلاق، لأنه هو الدهر الأول ودهر الدهور، ولكونه باطناً لكل اعتبار وتعين جامع لكل حقيقة إلهية كائنة ما كانت، وحقيقة الحقائق منشأ الأحدية والواحدية بما يندرج فيها من شؤونها واعتباراتها الغير المتناهية وهي عين البرزخ الأول الأقدم الذي هو الأصل الجامع لجميع البرازخ، وقد يقال في تفسير حقيقة الحقائق أنه الذات الموصوفة بالوحدة المطلقة جلت عظمتها من حيث وحدتها وإحاطتها وجمعيتها للأسماء والحقائق كلها، وتسمى أيضا الهيولى الخامسة باعتبار أن الجسم الذي هو أقصى مراتب الظهور هو صورة النفس، والنفس صورة في العقل، والعقل صورة في العلم، والعلم صورة ظهر فيها باطن الوحدة التي هي قلب الحق المسمى بحقيقة الحقائق