قال سيدي عبد الغني النابلسي في بواطن القرآن ومواطن الفرقان (مخطوط في المكتبة الظاهرية):
وجوه على معنى جمالك دلّتِ إذ هي عزّت، نحوها النفس ذلّتِ
وطلعة حسنٍ يختفي الكون عندها ولم تدرها الألباب إلا اضمحلّتِ
حقيقة حقٍ تنجلي بملابسٍ كلمعةِ برقٍ صورة بعد صورةِ
ومنها لها تلك الملابس لم تزل على صيغٍ ممدوحة وذميمةِ
وما المدح إلا وهو منها وضده على حكم طبعٍ غالبٍ وشريعةِ
محجبة عنها بها اشتغل الورى هدت كلَّ قلبٍ والعقولَ أضلَّتِ
أشاهدها في كلِّ شيءٍ شهدته ولست سواها في ظهورٍ وخفيةِ
وإني وإياها على القرب والنوى وجودٌ بدا في صورةٍ عدمية
أحب بها الوجهَ المليح فلا أرى يحب سواها غيرها قصد غيرةِ
وأهوى نسيم الروض من نشر ذكرها علينا بطيبٍ من شذى كلِّ زهرةِ
وأعشق صوت الناي والدف والغنا لتذكير معناه خطابَ الأحبةِ
وأجتلي بها ألحان الغناء مذ كنَّ وثيق عهودٍ من ألستُ قديمةِ
هي الطلعة الغراء للوجه والسوى إشارتها كالشمس ذات الأشعةِ
ظهرنا بذكراها لنا وهو ذكرنا لها، فهي بالأسماء فينا تجلتِ
ويلزمنا فيها السماع تشوقاً إليها وجذباً بالمعاني الرقيقةِ
معانٍ بها الآلات تنطق عندنا بألسنةٍ خرساء غير فصيحة
ومن يسمع الآصوات فهو مقيد ومن يفهم المعنى هو المطلق الفتي
هو الواحد المعروف في كل كائنٍ لعارفه المشتاق لا أهل سلوةِ
يصورنا في علمه ولأجل ذا نصوره في علمنا بالضرورةِ
وتصويرنا لا شك تصويره ولا وجود سواه في شهود وغيبةِ
وقد جاء في الأسماء عنه مصوّر وصنعته الصوير لا غير صنعة
وتصويره التقدير للعدم الذي هو الكون والتثبيت للمتثبت
وما ثم إلا الحق وهو وجود ما يقدره من كل معنىً وصورةِ
وذاك هو التخليق للخلق والذي يسمونه الإيجاد في كلِّ ملّةِ
فقوم رأوا الأمر القديم مكرراً فقالوا هي الأكوان قامت بمثبتِ
وقوم رأوا وجه الحقيقة ظاهراً بأمرٍ كلمح البرق في عين ظلمةِ
ولم ينظروا شيئاً سوى الحق ها هنا فقالوا الذي قالوا بأقوم حجةِ
ولكنها الأستار ترسل تارة وترفع أخرى عن أمورٍ عظيمة