قال الشيخ داود المدرني الخلوتي في كتابه كلشن التوحيد (مترجم):
حضور قلبك خارج تقلب الليل والنهار، وأنت الواجِد للحق، ففيمَ اغترابك هذا؟
ما أعجب اشتعال نار الهجر فيك أيها العاشق، مع أنك في الحقيقة لم تفارق المعشوق قط
أنت الغريق في بحر الوحدة المحيط، فلماذا تراك ظمآناً ومحتاجاً إلى جرعة من شراب الوصل؟
وحيث إنك بازي اللامكان فلماذا قيدت قدميك بكل ذرة من تراب الأرض؟
مكانك هو لدى عنقاء اللامكان، وعشك هو في جبل قاف القرب
حين أظهر كنز الذات نفسه بالحب، كان عيانه فيك بعد ظلمة غيب العدم
فتجلى نور الجمال، وكنت أنت الشمعة التي أشعلها ذلك النور، وأنت الفراشة المحترقة به
وحين تكون في الكنز المخفي ذاك، فأنت في موطنك، فلماذا تتسول على كل باب وعند كل منزل؟
مقر وجودك هو في الكنز المخفي الذي أخفى خزينته في خرابة وجودك
أنت الظالم الجهول، كالأنعام بل أضل، إذا بقيت غافلاً عن كنزك، غير عاقل لوجودك
فمالك ملك ثمانية عشرة ألف عالم هو من استقر في منزلك المبارك
لماذا تبقى شحاذاً مفلساً وسيء السمعة طالما أن كنز المعنى فيك وأنت مأواه؟
قلب المؤمن خزينة الحق، فلا جرم هو ممتلئ بالجواهر والدرر
يحوى قلبك عرش الله، وأنت لا خبر لك عمّن تجلى في نسخة جسمك المختصرة من الأكوان
ألم يقل لك: {الرحمن على العرش استوى}؟ أفلى تتجه إلى من استوى على عرشك؟
ما لا تتسع له السماوات والعرش والكرسي وسعته أنت، فانظر أي قصر فسيح أنت!
شأن {نحن أقرب إليه} يتجدد ظهوره لك مع الأنفاس، وليست {نفخت فيه من روحي} إلا لك أنت
فلا تنظر إلى حقارة مائك وطينك، فكل العالمين من نسج روحك تلك
أنت مظهر العشق والمحبة الذي ليس العالم إلا صورة لحقيقته
أخرج حب السوى من قلبك، فأنت مخزن المعشوق ومحبته الذاتية
ويا أيها القلب المجنون، إياك والصحو، فأنت منذ الأزل عاشق وسكران
وكيف لا تكون ثملاً بعد تجلت من خمارة ذاتك كؤوس الشراب؟
إذا أردت علامة على من لا علامة له، أنظر فيك أنت، فلا علامة أعجب منك!