قال الشيخ علي الكيزواني الشاذلي قدس سره:
اعلم أن العارفين تارة يترجمون في مقام البشرية عن مقام النفوس، وتارة في مقام الإنسانية عن صفات القلوب، وتارة في مقام الروحانية عن مقام الأسرار، مستمدة في ذلك من مدد صاحب الحضرة الأكملية حيث صرح لأمته بثلاثة مقامات جملية: الأول: "أنا بشر مثلكم"، والثاني: "إني لست كهيئتكم"، والثالث: "لي مع الله وقت". فهذا أصل لكل فرع فافهم.
واعلم أن العارفين يشهدون الوجود بأسره صفاتاً لهم، ولما قسمت الشريعة هذه الأوصاف إلى الممدوح والمذموم تجدهم يجردون المذموم من أوصافهم ويجعلونه بمثابة الغير، ويذمونه من هذا الوجه، ويمدحون المحمود من حيث شهودهم وهو الأصل. فذمهم للمذموم من أوصافهم لا لغيرهم، ومدحهم للمحمود من أوصافهم على أنفسهم، يمدحون أنفسهم لأنفسهم، ويذمون أنفسهم لأنفسهم كما قال سيدي ابن الفارض من الوجه الأول:
فما عالم إلا بفضلي عالم ولا ناطق في الكون إلا بمدحتي
وقال غيره من الوجه الثاني:
أنا استغفر الله مني وما في شيء يعجبني
وما لي غريم إلا أنا بالله خلصوني مني
واعلم يا أخي أنهم إذا نطقوا بلسان الفرق والشريعة بذم الغير فهم يذمون الفعل لا الفاعل، والقول لا القائل، والعمل لا العامل، فإذا شهد مذموماً قال: {هذا من عمل الشيطان} كما قال موسى عليه السلام، وإن شهد محموداً قال: {هذا من فضل ربي} كما قال سليمان عليه السلام، وإن كان الكل من عند الله، فإن أدبهم شهود القضاء والقدر وعدم الاحتجاج به.
أما أنت يا أخي، فإذا شهدت صفة حيوانية فلا تذمها فإنها جنسك، وإذا شهدت صفة إنسانية ناقصة فلا تذمها فإنها نوعك، وقس على ذلك سائر الأقسام، فإنه يجوز عليك ما يجوز عليهم، فإن مدحتهم مدحت بعضك وإن ذممتهم ذممت بعضك وهذا لا يفعله عاقل. فكن كيساً فطناً وأعط كل ذي حق حقه بنور شهودك كما قسمت لك الأطوار، وإذا كان المتكلم غير عارف كن أنت عارفاً، فإن الشريعة والطريقة والحقيقة في كل كلمة من الكلمات، فإذا رأيت كلمة في الحقيقة استخرج منها شريعتها من باطنها، وإذا رأيت كلمة في الشريعة فاستخرج حقيقتها من باطنها، ومن لم يكن هكذا فليس بعالم ولا عارف والسلام.