قال الشيخ محمد بن أحمد البوزيدي الدرقاوي في الآداب المرضية:
ومن أدب المريد: أن لا يظهر العالم أمام شيخه، وكذلك الأحوال والفراسة، ولو كانت مواهبه كالسحاب، إلا إن غلب عليه حال فالدية حينئذ على القاتل، لأن صاحب الحال سقط عنه شروط الأدب لكونه محكوماً عليه، ومن أكبر سوء الأدب أن تتظاهر بالعلم على علمه وقد كنت جاهلاً أعمى أبكم أصم، وقد علمك علم التحقيق وكشف عن قلبك حجاب الغفلة ، فسمعت ما لم تسمع ، ورأيت ما لم تر ، ونطقت بما لم تتعلم قبل، فكيف يليق بك يا أخي أن تظهر القوة في العلم والحال وأنت نقطة من بحر علمه وحاله، وتدّعي صفاء البصيرة ونور البصيرة وأنت لمحة من بصيرته، وتدّعي فصاحة اللسان وأنت لغة من لغاته، وتدّعي المكالمة مع الله وأنت لم تحصل المكالمة مع أولياء الله؟
فلو فهمت المكالمة وسمعت المناجاة لفهمت من أين هي، ولعرفت قدر من كان سبباً في وصولها إليك ، ولتواضعت له وانكسرت واحترقت وضعفت، ولتركت علمك وعملك وأحوالك وقمت مقام العبد المملوك بين يدي الملوك. ومن لم يكن على هذا الحال فهو من قوم نيام لا يصلح للحضارة ولا للجلوس مع أهلها، وإنما يصلح لكنس المزابل الخبيثة، لعل نفسه تموت بذلك وتقرب، وحينئذ تساعده على الأدب مع أهل الله، والله يأخذ بيد من عثر.
وينبغي لهذا المريد أن يروّض نفسه، ويلزمها الصمت والجهل، ظاهراً وباطناً، حتى يصير كالبهيمة لا تتكلم إلا عند إرادة إشباع بطنها ، هذا لمن أراد النصح لنفسه، ومن أراد أن يغشها فليبادر إلى الكلام وليجاوب عن كل ما بدا له. قال في الحكم: "من رأيته مجيباً عن كل ما سئل ومعبراً عن كل ما شهد وذاكراً لكل ما علم فاستدل بذلك على وجود جهله".
وكثرة الكلام والإشارات والتعبير من رعونة نفس المريد، فإن النفس لا تحب أن ترى جاهلة لكثافة حجابها.