أدب المريدين مع زوار الشيخ - سيدي محمد بن أحمد البوزيدي

قال الشيخ محمد بن أحمد البوزيدي في الآداب المرضية:

ومن أدب المريدين: إذا قدم عليهم أحد من أهل محبة الله ينبغي لهم أن يقوموا لملاقاته إجلالاً لله، لأن القيام لهم هو الله في الحقيقة لا لهم، إذ هم جاؤوا لله، والجالسون هناك لله، ولا ينبغي للزائرين أن يرسلوا إلى الشيخ بأن يتلقاهم، إذ ليس ذلك من الآداب المرضية. نعم، إن قربوا من المنزل فليذكروا الله جهرا وفي ذلك إشارة للملاقاة، والذي يكون بالإشارة كله أدب، ولا بأس بأن يرسل الإخوان لإخوانهم لأن يتلقونهم إذا قربوا من زاوية الشيخ، فإذا تلاقوا مع بعضهم بعضا تصافحوا وتعانقوا ولا يكبون على بعضهم بعضاً إلا على أقدام الشيخ لأن ذلك إظهار لمحبته وتعظيمه والاشتياق له، والمحبة تهيّج وتعظم وتغيّب صاحبها عن إحساسه عند ملاقاة حبيبه، وأي حبيب مثل الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومثل من يدلك على طريقة الشريعة حتى تصل إلى حضرة ربك ، فالمحب لا يدري ما يصنع عند ملاقاة حبيبه.

وملاقاة الواسطة الحقيقية هي ملاقاة الموسوط، إذ الواسطة هي العنصر الصافي الذي هو من بحر المصطفى صلى الله عليه وسلم، فالذي ذكرناه هو واجب في حق الشيوخ الكاملين، وإذا صدر من بعض الإخوان لبعض غلبة ووجد لا بأس ولا ينبغي أن يفعلوا ذلك من غير غلبة الحال.

وبقي حق الزائرين على المزارين: إذا جلسوا بين يدي الشيخ أن نؤثرهم بالقرب منه في الجلوس ونكرمهم بما استطعنا له ثلاثة أيام وهي ضيافة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وبعد ذلك نصير شيئا واحدا في المحبة لله. والمؤكد به بعد هذا التواضع لبعضنا بعضاً والمحبة والسخاء والمودة والحنانة والشفقة وغير ذلك من سائر الأخلاق، وهذا كله واجب على الزائر والمزار وبالخلق الحسن تشرّف من تشرف ووصل من وصل. والواجب أيضاً الاستماع لبعضنا بعضاً، والإنصاف لبعضنا بعضاً، وخفض الكلام لبعضنا بعضاً، ونسير على سير ضعفائنا، ونقدم المؤخر ونبسط المقبوض ونوسع الضيق، ونبشر المتوجه بالبشارة الحسنة، ونقوّي الضعيف، ونرغب الزاهد في الدنيا بالزهادة في نفسه ونرغبه في اشتغاله بربه، والراغب في الدنيا زهده فيها لكي يستقيم ظاهره وإذا استقام ظاهرة عند ذلك نزهده في نفسه، وإذا زهد في نفسه دللناه على الرغبة في الله تعالى كما تقدم. ونتكلم على الإخلاص من النفوس ولا نقصد أحداً بذلك وإن علمنا فيه ذلك، وربما إن قصدناه رددناه إلى نفسه، وإذا رجع إليها جرت به إلى هواها، وأعظم هواها وأقبحه الرضى عنها.