قال الشيخ نظام الدين النيسابوري في تفسيره:
"صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته" الضمير عائد إلى الحق. وعلى كل عضو في الظاهر صوم، وعلى كل صفة في الباطن صوم. فصوم اللسان عن الكذب والنميمة، وصوم العين عن محل الريبة، وصوم السمع عن استماع الملاهي، وعلى هذا فقس البواقي. وصوم النفس عن التمني والشهوات، وصوم القلب عن حب الدنيا وزخارفها، وصوم الروح عن نعيم الآخرة ولذاتها، وصوم السر عن شهود غير الله { كما كتب على الذين من قبلكم } أي على أرواحكم، فإنها كانت صائمة عن المشارب كلها، فلما تعلق الروح بالقلب صارت أجزاء القالب مستدعية للحظوظ الحيوانية والروحانية { لعلكم تتقون } عن مشارب المركبات وتطهرون عن دنس الحظوظ الحيوانيات والروحانيات، فحين يأفل كوكب استدعاء الحظوظ الفانية تطلع شمس حقوق الملاقاة الروحانية الباقية كما قال صلى الله عليه وسلم "للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه".
{ فمن كان منكم مريضاً } أي وقع له فترة في السلوك لمرض غلبات صفات النفس وكسل الطبيعة {أو على سفر} حصل له وقفة للعجز عن القيام بأعباء أحكام الحقيقة، فليمهل حتى تدركه العناية ويعالج سقمه فيتداركه في أيام سلامة القلب. {وعلى الذين يطيقونه} على من كان له قوة في صدق الطلب {طعام مسكين} فيخرج عما سوى الله، ويواصل الصوم ولا يفطر إلا على طعام مواهب الحق وشراب مشاربه وهو معنى "أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني".
{فمن تطوع خيراً} فمن زاد في الفداء أي كلما فطم من مشرب وسقى من مشرب آخر إلى أن يصير مشربه ترك المشارب كلها وداوم الصوم كقوله تعالى {وأن تصوموا خير لكم} فينزل فيه حقائق القرآن وهذا معنى قوله: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} فيكون على مأدبة الله لا بمعنى أنه يأكل من المأدبة فإنه دائم الصوم، ولكن المأدبة تأكله حتى تفنيه عن وجوده وتبقيه بشهوده فيكون خلقه القرآن وحينئذ يفرق بين الوجود الحقيقي والوجود المجازي كما قال: {وبينات من الهدى والفرقان} فيقال يا محمد له أصبت فالزم وهو معنى قوله: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} قال أبو يزيد: ناداني ربي وقال: أنا بدك اللازم فالزم بدك. رمضان يرمض ذنوب قوم، ورمضان الحقيقي يحرق وجود قوم. رمضان اسم من أسماء الله أي من حضر مع الله فليمسك عن غير الله .