قال الشيخ نجم الدين الرازي في التأويلات النجمية:
قوله تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ}، والإشارة فيها أن الصوم كما يكون للظاهر يكون للباطن، وباطن الخطاب يشير إلى صوم القلب والروح والسر لشهود أنوار الحضور مع الله، فصوم القلب: صومه عن مشارب المعقولات، وصوم الروح: عن ملاحظة الروحانية، وصوم السر: صومه عن شهود غير الله، فمن أمسك عن المفطرات فنهاية صومه إذا هجم الليل، ومن أمسك عن الأغيار فنهاية صومه أن يشهد الحق.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته"، عند أهل التحقيق الهاء عائدة إلى الحق تعالى، فينبغي أن يكون صوم العبد ظاهراً وباطناً لرؤية الحق وإفطاره بالرؤية.
قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ}؛ أي: على كل عضو في الظاهر وعلى كل صفة في الباطن، فصوم اللسان: من الكذب والفحش والغيبة، وصوم العين: عن النظر في الغفلة والريبة، وصوم السمع: عن استماع المناهي والملاهي، وعلى هذا فقس الباقي، وصوم النفس: عن التمني والحرص والشهوات، وصوم القلب: عن حب الدنيا وزخارفها، وصوم الروح: عن نعيم الآخرة ولذاتها، وصوم السر: عن رؤية وجود غير الله تعالى وإثباته، {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فتصومون فيها مع حصول استعداد الشرب؛ لتفطروا من مشارب يشرب بها عباد الله {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} فيطهركم بهذا الشراب عن دنس استدعاء الحظوظ، طلعت شمس استدعاء حقوق اللقاء من مطلع الالتقاء فحينئذ يتحقق إنجاز ما وعد سيد الأنبياء بقوله صلى الله عليه وسلم: "للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه".
وقال تعالى: { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ أي: من أدرك مؤنة دوام الإمساك عن المشارب بالكلية، { فَلْيَصُمْهُ }؛ أي: فله دوام على ملازمة الإمساك لقوله صلى الله عليه وسلم: لحارثة رضي الله عنه "أصبت فالزم" ، وقال أبو يزيد - رحمه الله -: ناداني ربي، وقال: اترك نفسك ولازم بدك، فإن رمضان يرمض ذنوب قوم، فشهود رمضان الحقيقي يحرق وجود قوم، فشتان بين من يحرق ذنوبه برحمته وبين من يحرق رسوم نفسه بنور حقيقته.