قال سيدي الشيخ أحمد العلاوي في المنح القدوسية:
الفطر عند القوم هو الرجوع للخلق بعد الإعراض عنهم، إلا أن الرجوع يكون بالله والمعنى يلاحظ الخلق ولا خلق، وأما الصيام عندهم لا يكون لهم ذلك إلا بخروجهم عن هذا الكون وفنائهم في اسمه الباطن، فإذا تم لهم ذلك أمروا بالرجوع ليتحققوا باسمه الظاهر في جميع المظاهر، فيكون لهم ذلك عيداً يوم لما وجدوا الباطن عين الظاهر، كما أن الأول عين الآخر، وقد قيل:
اللقا عرسي وعيدي حقيقة وسعدي وإسعادي وأنسي وبهجتي
وكل ذلك لسبب تحققهم بقوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} على نعت المكاشفة، وأي عيد يكون له أعظم من هذا حيث ناداه الأول يقول له: إرفع همتك للأبد فأنا الآخر ، كما ناداه الباطن : افتح عينيك في الكون فأنا الظاهر.
وفيه قال صاحب العينية رضي الله عنه:
صيامي هو الإمساك عن رؤية السوى وفطري أني نحو وجهك راجع
ولكن يكون إمساك العارفين عما سوى الله في حضرة مخصوصة ، وهي حضرة الذات، وقد يعبرون عنها بحضرة الجبروت، وأما في حضرة الأسماء والصفات أو الأفعال فلا يكون شهود الذات واجباً لتعذره على لوحة الأسماء والصفات، فلهذا كان الإمساك فيها مستحباً فيهما، وفي الغالب يتعذر الجمع على صاحب هذا المقام لاضطراب أمواج الأسماء والصفات ، فكل ذلك مناقض للإمساك ، بخلاف الحضرة الأحدية ، فهي منزهة من أن يناقضها غيرها وصاحبها ولو تعمد رؤية الغير لم يستطع، لأن حقيقتها لا تقتضيه وإن خطر على قلبه ما سوى الله فقد خرج منها ، وبطل صومه، وقد قال سلطان العاشقين في هذا المعنى:
ولو خطرت لي في سواك إرادة على خاطري سهواً قضيت بردتي
والقواطع في هذا المحل كثيرة من أن تحصر بحيث لا يمكن الخروج عنها تفصيلاً، وعليه نية واحدة تكفي بأن يجمع المريد العالم بأسره وما احتوى عليه ويخرج عليه بقلبه وهذا أسهل الطرق إلى الله.
والفطر لا يتمكن ما دام الحس مفقوداً، اللهم إلا إذا رجع له ورجع بنفسه، وأما إذا رجع بربه فذلك هو المطلوب وهو المعبر عنه بالعيد ، فيكون الفطر فيه واجباً أي الرجوع إليه والنظر فيه.
فالمريد يخرج من الحس خشية اللمس والالتذاذ به كي لا يحتجب عن ربه، وأما إذا صار الحس هو عين المعنى أو نقول هو مظهر التجلي، فلا يخرج عنه، وقال: إن كلاً من الحس والمعنى والتنزيه والتشبيه وجه الله {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}.