قال سيدي محمد بن أحمد البوزيدي:
اعلم أن الأدب وصف الروح قديم، وسوء الأدب وصف النفس حادث، فإن ظهر فيك الأدب ظاهراً وباطناً فاعلم أنك روحاني سماوي، وإن ظهر فيك سوء الأدب ظاهراً وباطناً فاعلم أنك نفساني أرضي.
ومن كمال ابن آدم أن حسه أرضي ومعناه سماوي. ولما كان هذا حال أبينا آدم عليه السلام في الجنة، وكانت الأنوار حاكمة على الأغيار لا يعرف الأغيار ما هي وهي كامنة فيه إذ هي من الكمال الكبير، أراد الله سبحانه أن يظهر كماله فيه بفضله وإحسانه، ويظهر من كماله كمالاً كبيراً لا يعلم قدره سواه سبحانه، فسلّط عليه إبليس حتى استخرج منه وصف البشرية، أحب أم كره، فكان هو السبب في نزوله من عالم الأنوار إلى عالم الأغيار. فلما نزل اعتدل الأمر وكان ملكياً ملكوتياً في دفعة واحدة، ولذلك كان خليفة الله لأجل جمعه بين الضدين، فكل من اعتدل من ذريته صار خليفة.
فإن قلت: لم لم يكن الخليفة من الملائكة ولا من الجن؟ قلنا: لأجل حكم الروحانية صلى الله على الجسمانية في غير الآدمي، فالاعتدال خاص بالآدمي ببركة مولانا محمد صلى الله عليه وسلم. واعلم أن ظهور وصف البشرية ليست هي من النقص، إذ بها ترقى هذا الآدمي إلى مقام لا يدركه أحد سواه في القرب منه سبحانه، وإنما نسبت إلى النقص من حيث الوقوف معها والاشتغال بها عن الله تعالى، لأن هذا الآدمي أودع الله فيه من السر ما لم يودعه في غيره.
أودع الله في نفسه الحب الكبير، والشوق الكبير، والعشق الكبير، والجمال الكبير الذي هو في سائر الأشياء. فإذا غفل عن كماله صار عاشقاً للأشياء لجهله بقدره، وإذا اشتغل بكماله صارت الأشياء عاشقة له لأنها تشاهد فيه جمال الله الكامل الذي أودعه فيه. ولهذا الجمال الكامل سجدت الملائكة عليهم السلام. والخليفة هو الذي لا تشغله الشرائع عن الحقائق ولا الحقائق عن الشرائع في دفعة واحدة .
فاعرف قدرك أيها الإنسان ولا تكن عنه نسيان، وقل: الله، الله، الله حتى تفنى عن سائر العوالم وتتجلى لك في نفسك أسرار العالم فترى سائر الموجودات سراً من أسراره، وذلك السر بعض من سرك، فافهم. ولا تصل هذا السر إلا بالأدب.