قال الشيخ أيوب الخلوتي:
أصل التوبة الرجوع من حكم النفس إلى حكم الرب بالإلهام الصادق والنفخة الرحمانية، فيتيقظ من نومة الغفلة التي استولت عليه بسبب استغراق النفس في بحر الطبع وغلظ الحجاب عن خبر الألوهية بغشاوة الشهود واحتجاب البصيرة وعمى الفواد عن المعاينة المضمنة في الذات الإنسانية والمكافحة الكائنة في الشخص الأزلي المتنزل عن التعين الأول.
فإذا أراد الله بعبده أن ينفصل عن وجوده الخلقي المقيد إلى الوجود الحقي المطلق، ویری شهادته في غيبه وغيبه في ربه بعد أن كان في الحضيض الأوهد والبعد الإمكاني، حرك فيه همة الإقبال عليه بعد الإهمال في نفسه، وكشف له عن دناءة أصله الجسمي المعروض للبلاء الإلهي وشرف السر الإلهي المودع فيه المطلوب منه العروج عليه إلى سماء النفح ليتصل من حيث انفصل، ويرجع من حيث بدأ، فمتى تم إطلاعه على هذه المقدمات والوسائل سلك عليها إلى الغايات والمقاصد، وهو الاتحاد الحبي بالأسماء والصفات إلى أن يكون صفة من صفات ربه، وشأنا من شؤون ذاته تعالى، هذا وإن كان في الأزل كذلك وإلا فلا، بل إلى مشهده الأزلي حيث كان من حجاب وعيان فالاعتماد في التسليم على المواقف الأزلية .
والأصل فيما ذكر من مطالعة هذه المعاني ومطابقة تلك الأحوال التوبة النصوح، ولا يكون نصحها إلا بدوام الذكر الخفي وهو الصلاة الروحانية، والحج العقلي، والصوم النفساني، والزكاة البدنية، ثم يرتقي عن ذلك إلى قريب الفرائض وهي أن يكون الحق تعالی متصرفا بعبده، والعبد غائب عن نفسه بربه، وعن ربه بربه والسلام.