قال سيدي محمد الحراق في رسائله:
الذاكر لا يساوي الغافل، والمجد في طلب القرب من الله لا يعانده اللاعب الهازل، وما تفاوتت الناس في مراتب التعظيم عند الحق سبحانه إلا بتفاوتهم في شدة ذكره والحرص على ما يقرب إليه على أي وجه كان وعلى أي حالة أمكن.
وإن الحريص على الله يعلم يقيناً أن الله سبحانه يزيد في قنديل إيمانه زيت اليقين به حتى يموت وقنديل إيمانه مشتعل، ومن حصل منه التراخي في الحرص على الله أو عدم المبالاة بما يقرب إليه فليعلم يقيناً أن الحقيقة لم تمد إيمانه بقوة اليقين ويخاف عليه أن يموت إيمانه قبل موته إلا إذا تداركه الله تعالى بلطفه.
وأعلموا يا إخواننا وأحباءنا أن الذاكر الله لا يكون ذاكراً عـنـد المحققين حتى يطير إلى الله بكل جناح ويسافر بسفينة ذكره الله في بحر جريان الأقدار عليه بجميع الرياح، فلا يعثره عن حضوره مع الله عز ولا ذُلِّ ولا قَبْضٌ ولا بَسْطُ ولا فَقْرٌ ولا غنى ولا عطاء ولا منع ولا مرضٌ ولا صحة ولا سيئة ولا طاعة ولا اجتماع ولا افتراق ولا فقد ولا وجد ولا غـيـر ذلـك مـن ســائـر العوارض لأن الشعور بهذه العوارض من أحوال الغافلين.
وأما الذاكر الحقيقي ، فإنما له حالة واحدة ، وهي الحضور مع الله فقط، ولا تجد عقله مشغولاً بغيرها وإن عرضت له هذه العوارض زادته شغلاً بالله ولا تؤثر فيه شغلاً عن الله فلا تغرق سفينته بهذه الرياح ولا ينكسر له بها عند الطيران إلى الله جناح، ولا يزال العبد الموفق يقوى بشدة ذكره وانحيازه إلى طائفة الذاكرين وحبه لهم حتى تكمل نشأته. والذاكر الله تعالى لا يزال يرتقي في شهود الحق سبحانه لأنه يستمد من كل شيء من جهة أنه تشرق عليه أنوار العظمة عن رؤية كل شيء فتزداد قوة حضوره مع الله في كل شيء، بخلاف الغافل عن الله تعالى فإنه يزداد بكل شيء يراه انحجاباً عن الله حتى يموت مطروحاً على فرش الغفلة مغطى بأردية الغيبة عن الله، نعوذ بالله من الحجاب وشدة العذاب بجاه النبي صلى الله عليه وسلم.