قال الشيخ إبراهيم القريمي الخلوتي:
الرحمة التي أحاط بها الروح المحمدي والسر الأحمدي هي التي دل عليها قوله تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، وهي الرحمة التي وسعت كل شيء، وسبقت غضب رب العزة. وهذه الآية الدالة على الرحمة العامة المحمدية تدل على روح محمد صلى الله عليه وسلم وروح العالم في الأنفس والآفاق. وهي النعمة العظيمة، ولذلك قال تعالى: {يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله} لأنه المقام المحمدي التوحيدي الحقيقي، والشهود الأحدي والاتصاف بالعزة الإلهية بالفناء بالله والبقاء به.
ولذلك قال تعالى: {من كان يريد العزة فلله العزة جميعا}، يعني أن المحمدي قطع المراتب كلها، وتحقق بالكمالات كلها، حتى الأحدية والواحدية والهوية المطلقة، فمن أراد أن يتعزز بالعزة العالية المحمدية فليتبع محمداً صلى الله عليه وسلم في كل المراتب، في مرتبة الشريعة والطريقة والمعرفة والحقيقة، بتطهير الطبيعة، وتزكية النفس، وتصفية القلب القريب من الحقيقة فيكون عزيزاً من أعزة هذه الأمة.
لأن مراتب الكامل من الإنسان طابقت مراتب الرحمن لأنه خلقه على صورته، ولذلك كان خليفة الملك المنان، فصورة الإنسان مظهر صورة الإنسان، وصورة الإنسان مظهر صورة القرآن.
ولا نهاية للدرجات الإلهية لا في الدنيا ولا في الآخرة ولا في النار ولا في الجنة، وإنما يعبرها الكمل الأمناء على أسرار الحقيقة، وأنوار المعرفة، وآثار الطريقة، وأحكام الشريعة، فكل المراتب والمقامات بيوتهم وقبابهم وكهوفهم، فهم أينما كانوا وحيث ساروا أضياف الله، فهم دائماً في ضيافة الله يأكلون من تحت أرجلهم ومن فوق رؤوسهم، رؤوسهم فوق العرش وأرجلهم تحت الثرى، وهم الأفراد المهيمون الذين انكشفت لهم أسرار المراتب وآثار المقامات، فظهرت عين الذات الأحدية الواحدية بعد الفناء في الله والبقاء بالله في مراتبهم النزولية كما انكشف لهم في مراتبهم العروجية، إذ الأولياء عموماً عروجيون والأفراد الأمناء نزوليون، وهذا مظهر المقام المحمود المختص بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.