قال الشيخ حسن ظريفي الكلشني في شرحه على مختارات من كتاب المثنوي لمولانا جلال الدين الرومي:
اعلم أن المراد بالعشق هو الوجود المطلق، يعني أن الوجود المطلق دائماً في تجلٍّ، وما ثم بخل أو منع من جانبه لكونه وجوداً مطلقاً. أما العاشق فهو الذي عليه أن يطهر قلبه من صدأ الصور الكونية، وكدورات الأحكام الإمكانية حتى يصبح قابلاً لهذا التجلي.
ولذلك قال المشايخ: التخلية لا تنفك عن التجلية، ففي كل لحظة يكون فيها القلب مرآة صافية ينعكس فيه الفيض الرباني، لأن المبدأ الفياض يشرق بنور ذاته وصفاته وأفعاله على الدوام. فإذا زال المانع، يترتب عليه شهود التجلي، يعني أنك إذا طلبت العشق بالعشق تجري منك ينابيع المعارف، وتظهر على قلبك أصناف الكشوفات الإلهية والكونية.
ويشير إلى هذا المعنى قوله تعالى: {يحبهم ويحبونه}، يعني أنه تعالى هو الأول الذي يحب من أرادهم له، ومن ثم يحب الطالبون الله، لكن محبة الله هي الأصل القديم فهي أشد وأقوى من محبتهم إياه، فإن محبتهم فرع مقيد لحبه المطلق. فإذا جاهد السالك نفسه مجاهدة تامة يصبح قلبه مصفى ومجلى ولائقاً بالتجلي الإلهي، فيكون المحبوب الرباني كما ورد في الحديث: "لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها".
فإذا بلغ السالك هذا المنزل، فلم يبق له من نفسه شيء، وفني عن الأخلاق البشرية وحصل على الموت الاختياري الذي أشار إليه المصطفى عليه الصلاة والسلام بقوله: "موتوا قبل أن تموتوا"، وكما قال: "من أراد أن ينظر إلى ميت يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى ابن أبي قحافة"، باتت حياته بالعشق، وهي الحياة الطيبة، كما قال تعالى: {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون}، فإن كل ما هو ظاهر عليهم إنما يظهر من المعشوق، لأن العشاق قد ماتوا عن أنفسهم بالكلية، وعاشوا بعشق المعشوق، وخلصوا من لون النفس، فبات لون المعشوق هو لونهم: {صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة}.
اللهم أجعلنا من الذين عملوا بتوحيد أفعالك فشهدوا توحيد صفاتك وغابوا في توحيد ذاتك!