تقلب قلوب العارفين في تجليات الجلال والجمال -سيدي روزبهان البقلي

قال سيدي روزبهان البقلي:

قال صلى الله عليه وسلم: "القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء. ثم قال: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك وطاعتك".

رأى - عليه الصلاة والسلام - الأرواح والعقول والنفوس متقلبة بتقليب صفات الحق من الآزال إلى الآباد، الأرواح في رؤية الذات، والعقول في رؤية الصفات، والقلوب في الأسماء واللطفيات، والنفوس في النعوت والقهريات. فعبر عن هذه الصفات بتقليب القلوب؛ لأنها مهاد الأرواح والعقول والنفوس، وأن الله تعالى سيرها بصفاته ونفاذ قدرته فيها بنعت عشقه في عالم المعارف والنكرات لتبلغ بالمعرفة أسرار الذات والصفات، وتذوب وتفنى بنيران النكرة من غيرة الحق على الحدوث، وتضمحل في بقاء القدم حتى لا يبقى إلا هو تعالى به عليه له.

فخاف - عليه الصلاة والسلام - من فناء قلبه في عالم النكرة بقهر الغيرة، فقال: ثبت قلبي إلهي على دينك أي على رؤيتك ومحبتك بنعت المعرفة والتوحيد. فاستغاث منه إليه، وعرف به ما منه لديه و أصل المراد منه - عليه الصلاة والسلام - زيادة المعرفة؛ لأن القلوب في تقلبها تتطرق بكل طريق إلى الله، فكل تقليبة منها رشد و توفيق، ثم مع كل تقليب زيادة ووصلة أو محق ونقصان، لأنها تتقلب بمراد الله في القهريات واللطفيات. فسأل - عليه الصلاة والسلام - به مزيد القربة واستعاذ بالله من النقصان، كما قال: «أعوذ بالله من الحور بعد الكورة فالحور النقصان والكور الزيادة، فعلم الحق تعالى اضطراب قلب نبيه عليه الصلاة والسلام. فأمره بتفويض أمره إليه بنعت التوكل والرضى فقال: {وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين} أي تقلب قلبك من بدء الأمر مع قلوب الأنبياء بتقليبي أياماً في عيون صفاتي، وهذه القلوب محل مرقومات أسرار الغيوب التي أودعها إليها لا يطلع عليها غير الله، كما قال: "ألا إن لله أوان ألا وهي القلوب".