سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم - سيدي محمد بن يلس التلمساني

قال سيدي محمد بن يلس التلمساني في تفسير قوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ* أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ}

آيات الآفاق: هي كل كون خرج عن الإنسان في العالم الأعلى والأسفل، وآيات الأنفس: هي ما دخل في الإنسان من الحقائق الكونية المستندة إلى الحقائق الإلهية {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ} أي الذين أراهم الله آيات الآفاق والأنفس {أنَّهُ} أي ما رأوه في الآفاق والأنفس {الْحَقُّ} الظاهر المتعين في الآفاق والأنفس لا بحلول ولا اتحاد ولا بشيء مما تتخيله العقول السليمة، وإنما ذلك كظهور المعاني بالألفاظ، وكظهور الظِّل في ذي الظِّل؛ لأن التجلي موضوع للرؤية؛ ولذا قال: {سَنُرِيهِمْ} وقد فعل، وليس ذلك إلا بتجليه الآفاق والأنفس، وليس تجليه في الآفاق بمغاير لتجليه في الأنفس، وإنما ذلك بمثابة المفصل من المجمل.

وما ظهر بالحقيقة الإنسانية، التي هي عبارة عن الصورة الرحمانية، على الكمال سوى محمد صلى الله عليه وسلم.

{أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ} للذين شاهدوه من أهل العيان {أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} حاضر مطَّلع؛ أي: ألم يكف شهوده على مظاهر الأشياء في معرفته وكونه الحق الثابت دون غيره حتى تحتاج إلى الاستدلال بأفعاله أو التوسل بتجليات صفاته؟ وهذا هو حال المحبوب المكاشف بالجذب قبل السلوك، والأول حال المحب السالك المجاهد لطلب الوصول، قال الحراق، رضي الله عنه:

كيف يظهر للعقول سواه         وسناه كسا العوالم جملة

فتراه في كل شيء تراه           فهو الكل دائماً ما أجله

{أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ} لاحتجابهم بالكون عن المكون وبالمخلوق عن الخالق {أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ} لا يخرج عن إحاطته شيء، وإلا لم يوجد، إذ حقيقة كل شيء عين علمه تعالى ووجوده به، وعلمه عين ذاته وذاته عين وجوده، فلا يخرج شيء عن إحاطته، إذ لا وجود لغيره ولا عين ولا ذات، كل شيء هالك إلا وجهه كما قال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرامِ}.