قال سيدي محمد بن أحمد البوزيدي في الآداب المرضية:
ومن أدب المريد: أن يحب بحب الشيخ وأن يبغض ببغضه ويفرح بفرحه ويحزن بحزنه، ومن كان على العكس فهو مراءٍ منافق ليس له اقتداء بالشيخ، وكيف يسير إلى الله من يحب ما أبغضه شيخه أو يبغض ما أحبه؟ فالواجب على المريد أن يحب ما أحبه شيخه وأن يبغض ما أبغضه شيخه ويكون قلبه على قلبه وجسده على جسده، فإن كان على هذا الوصف فهو محب صادق ولبيب حاذق، وللزوم أهل القلوب لائق، وبدسائس نفسه عائق، وبشطحات الوجد طارق، وللقاء المحبوب شائق، وفي عين بحر التوحيد غريق، ومن هنا وصل من وصل، وانفصل من انفصال.
فكن يا أخي موافقاً لأستاذك في جميع أقوالك وأفعالك، يمتزج حسك بحسه ومعناك بمعناه، وحينئذ تفتح لك باب حضرة الأولياء والملائكة، ثم باب حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم باب حضرة الحق تعالى. فرحم الله من تفرغ لصحبة الرجال قلباً وقالباً، ففرح بفرحهم، وحزن لحزنهم، ومشى على منهاجهم اللطيف، وترك منهاج أهل الحجاب الكثيف. فإياك يا أخي والتخلق بأخلاق العوام: اللسان يضحك والقلب يشرك {يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم}.
هذه صفة أهل الهزل وأما صفة أهل الجد فالظاهر عنوان الباطن، واعلم أن الطريق إلى الله تعالى طريق جدّ، ومن لم يكن صاحب جدّ لا ينال منها شيئاً. فينبغي للمريد أن يجاهد نفسه في الخروج من وادي النفاق، وأكثر ما يقع مع المدعين والجبابرة وأرباب أهل الدنيا: فأما المدعون فيقع الانفاق معهم استحياء منهم، وأما الجبابرة، فلأجل الخوف منهم، وأما أرباب الدنيا فللطمع فيهم، وهو من أقبح القبائح للمريد: {وَقُلِ الحق مِن رَبكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}. ولا بد لمن أراد الخروج من هذا الوصف الذميم من رياضة عظيمة وصبر شديد على مناقشة شيخه في خرق عوائد نفسه حتى تراجع عن هواها ويدفع عنها شرها وبلواها، حتى تحصل له الغيبة فيمتلئ قلبه خشية وهيبة، فيشغله ذلك عن الهزل والمزاح، وحينئذ يستريح من التعب، فافهم.