قال سيدي محمد الحراق قدس سره:
فليس عمل الذكر في القرب من الله كعمل الصلاة لأن الذكر من أهل الصدق مع الله ينشأ عنه الوصول والصلاة تنشأ عنها الوصلة والمخالطة جملة لاقتضائها مصلياً ومصلى له، وذلك عين التَّعدد المنافي للوصول بخلاف الذكر وعلى الخصوص ذكر الاسم المفرد فإنه يقتضي فناء الوجود الحادث في عين بقاء الوجود القديم، ولذلك قال تعالى: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَر}.
ويدل لذلك أيضاً إطلاق القول في الحديث بأن: "الأجر على قدر المشقة" والمشقة الكبرى التي عجز عنها الكثير من الناس ونكلوا عنها بعد الشروع هي إخراج العقل من عالم الحس إلى عالم المعنى، أو نقول: من عالم الشهادة الوهمي إلى عالم البطون الذي يظهر منه عالم الشهادة الحقيقي، لأن الوهمي آثار الصفات في البين، أو نقول في الغير، والحقيقي آثار الصفات في العين أو نقول في أنوار الذات والتوفيق من الله والإعانة منه بفضله ورحمته.
وأما مشقة الأجسام فقد كُلف بها مطلق العوام ، وهي عندهم نهاية . وأما عند أهل التحقيق فمشقة الأجسام التي هي الوقوف عند حدود الأمر والنهي فهي بداية ومشقة العقول التي هي إخراج العقل من عالم الحس إلى عالم المعنى عند مكابدة ذلك وسط، والخروج عن ذلك بالشهود نهاية وراحة إذ لا راحة للمؤمن إلا عند ربه ، كما في الحديث الكريم.
وقال خليفته سيدي الخضر الشجعي:
بداية من أراد الله به طريق الكمال العكوف بباب الفضل والاكتفاء بعلم الله، فتمتد أغصان شجرة نهايته في أول قدم يجني أثمارها، شريعته الفرار من ملاحظة عالم الأغيار، وحقيقته المؤانسة والجلوس على منابر الأحدية، فهو غيب في شهادة ذهب رسمه وذاب جسمه وقوي معناه وثبت اسمه في ديوان الصديقية، {اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ}، والاجتباء الحقيقي استيلاء الحقيقة على العين بحيث لا تدعه لسواها ولو لحظة. فبدايته بالله ومن الله وإلى الله فنهايته عين بدايته "من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله" الحديث.