قال الشيخ صديق بن عمر خان العمري، خليفة سيدي محمد بن عبد الكريم السمان البكري، في كتابه قطف أزهار المواهب الربانية:
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "حبب إلي من دنياكم ثلاث: الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة". وقرة العين هو سرورها وفرحها برؤية المحبوب وشهود جماله بعدما كان عنه محجوباً، وليس قرّة عين المصلى في الصلاة إلا شهود جمال المصلى له.
واعلم أن لله تعالى في كل طاعة تجل يختص بها، وكذلك لكل عبادة للمتعبد بها تجل يذوقه حالة كونه يتعبد بأي عبادة كانت، وذوق ذلك التجلي هو الذي يحمل العباد على الجد في العبادة حتى يصير جسدهم كالشن البالي. وله جل شأنه للعارفين في الصلاة تجل خاص بهم. فكل عارف كان على قدم نبي له تجل يختص به بطريق الإرث لذلك النبي الذي هو على طريقته في الحال، والتجلي الأعظم في الصلاة لا يكون إلا لأعظم الأنبياء قدراً ولمن كان على قدمه من العارفين، فمن كان على قدمه من العارفين فهو أرفعهم مقاماً، أي أرفع من بقية الأولياء درجة، وإلى هذا التجلي أرشد صلى الله عليه وسلم كل عارف بقوله: "اعبد الله كأنك تراه".
ثم بيّن له الوصف الذي إذا اتصف به في حالة الصلاة تحصل الرؤية فقال: "فإن لم تكن تراه" أي فإن لم تكن بأن فنيت عن كل ما سواه حتى رؤية نفسك في حالة الصلاة تراه حينئذ رؤية تليق بكماله "فإنه يراك" جل شأنه كيف تبرزها، فينزلك حيث أنزلته، إن رؤية فرؤية، وإن شهوداً فشهوداً، وإن غفلة فغفلة، وإن نسياناً فنسيان. ونسيان الحق وغفلته عبارة عن عدم قبوله للطاعة المقرونة بهما، قال عز من قائل: {فاليوم ننسهم كما قالوا لقاء يومهم هذا}.
والصلاة هي وقت الملاقاة والمخاطبة والخلوة بالمحبوب، فمن نسى الحق في هذا الوقت نسيه الحق كما نسيه، ونسيان الحق هو عبارة عن عدم تجليه على المصلي مع الغفلة عقوبة له لعدم استحضاره لما أشارت به إليه حروف الصلاة، وهى أربعة: الصاد: وهى إشارة إلى مصادفة الحق فيها للمتوجه بها إليه. واللام: وهي إشارة إلى لقائه به بعد فنائه عنه. والألف: هي إشارة إلى الاستقامة فيهما، واتصالها باللام إشارة إلى اتصاله بعد قيامه بما تضمنته الحروف من طلب كمال التوجه بمحبوبه. وفسر المحبوب بما تشير إليه التاء وهي إشارة إلى التعين الأول المعبر عنه عند الصوفية بالنور المحمدي، وهو نهاية كشف المتوجه في الصلاة. ومن صادف هذا النور في صلاته ولاقاه واتصل به فقد صادف الحق لأنه نور الحضرة الذاتية، وكون أن هذا النور هو نهاية كشف المصلي لأنه منبع حقيقته ولا يمكنه التجاوز عنها، وليس التجاوز بالكشف في الصلاة إلى الحضرة الذاتية إلا للحقيقة المحمدية، لأنها منبع نوره الذي كوّنت منه حقيقته، فافهم.