بيان إشارات صوفية - سيدي عبد الوهاب الشعراني

قال سيدي عبد الوهاب الشعراني في الجواهر والدرر:

سألت شيخنا رضي الله عنه عن قولهم: "العارفون لا يموتون، وإنما ينتقلون من دار إلى دار، كيف ذلك ؟ فقال: لأن العارفين ماتوا عن جميع تصرفاتهم واختياراتهم، وأفنوها في تصرفات الحق واختياره، كما يقع للميت، وإلى ذلك الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: "من أراد أن ينظر إلى ميت يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى أبي بكر"، وهذا المقام لكل كامل بعده إلى يوم القيامة ، فعلم أن من لم يحكم مقام فنائه عن شهود تصرفاته فإن الحال يتغير عليه عند الموت بقدر ما فرّط في رياضة نفسه. فقلت له: فما أشد الموت ؟ فقال: موت من كان غافلاً عن الرياضة مطلقًا حتى أتاه الموت على غفلة، فاجتمع الألم عليه دفعة واحدة، بخلاف صاحب المخالفة في ارتكاب المكروهات للنفس، كان الألم يأتيه شيئًا فشيئًا في أنواع الرياضات على حسب التدريج، فاعلم ذلك.

وسألت شيخنا عن قوله تعالى: {فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد}، هل يكشف هذا الغطاء لأحد حال صحته كما يشير إليه قول الإمام علي كرم الله وجهه: "لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا" مع أنه أثبت غطاء هنا ينكشف؟ فقال رضي الله عنه: كشف غطاء كل أحد على قدر حاله، فمنهم من ينتقل من الظن إلى العلم، ومنهم من ينتقل من علم اليقين إلى عين اليقين، ومنهم من ينتقل من عين اليقين إلى حق اليقين، فقوله: "ما ازددت يقينا" أي لما أنا عليه من اليقين، وهذا منه إشارة إلى أن درجات اليقين لا تتفاوت، وبه قال جماعة. فقلت له: فهل ينفع كشف هذا الغطاء صاحبه إذا كان عالم بما كشف له حال الصحة ؟ فقال: لا، لا يسعده إلا ما كان عالما به قبل الموت، فإذا رأى بعينه ما كان يعلمه سعد، والله أعلم.

وسألت شيخنا رضي الله عنه عن قولهم: فلان بعيد من الله أو فلان قريب من الله ما معناه، والحق أقرب إلى كل إنسان من حبل الوريد ؟ فقال لي: القرب والبعد راجع إلى شهود العبد في نفسه لا إلى الحق، فإذا أطاع العبد ربه شهد نفسه قريبًا، وإذا عصاه شهد نفسه بعيدًا، فهو أمر إضافي والله أعلم.