كل شيء هالك إلا وجهه - سيدي محمد بن يلس التلمساني

قال سيدي محمد بن يلس التلمساني في إجابة على سؤال ورد عليه: لماذا اسم الخلق موجود مع أنه معدوم؟ وهل الاسم يثبته من غير مسمى أم لا؟

الجواب: اعلم أن الحقَّ والخلق اسمان لعينٍ واحدةٍ اختلف الحكم فاختلف الاسم، كالثلج والماء، فإن الثلج صورة للماء وهو عينه، فبالصورة حدث للماء اسم الثلج، كما حدث للحق بالظهور اسم الخلق، وبذلك أفصح الجيلي، رضي الله عنه ، فقال:

وما الخلق في التمثال إلا كثلجة        وأنت لها الماء الذي هو نابع

ولكن يذوب الثلج يرجع حكمه         ويوضع حكم الماء والأمر واقع

وما قيل في الثلج يقال في غيره من الأكوان تسقى بماء واحد والزهر ألوان، قال تعالى: {وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}.

وإن شئت قلت: الله علم على الذات العلية، وحقيقة الذات العلية هي ذات كلِّية أزلية لطيفة خفية، متجلِّية بالرسوم والأشكال، متصفة بصفات الكمال، واحدة في الأزل وفي ما لا يزال، هكذا رسمها العارفون بالله، والخلق ما دخل تحت دائرة قول الله تعالى: (كن)، والحقّ في الحقائق بمنزلة الواحد في مراتب الأعداد، فكما أن الواحد في المراتب العددية المتكاثرة بلا نهاية هو حقيقة تلك المراتب وإن تكاثرت بدون نهاية، فكذلك الحقّ تعالى هو حقيقة المراتب الكونية والصور الخلقية وإن تنوَّعت أشكالها واختلفت أسماؤها بالاثنين والثلاثة والأربعة إلى ما لا نهاية له، وحقيقتها الواحد، فكذلك مراتب الصور الخلقية وإن تنوعت أسماؤها واختلفت ألوانها وأشكالها بلا حقيقة لها إلا الحقّ، فالخلق هو الحقّ عيناً وذاتاً وحقيقةً، وهو غير الحقّ نسبةً وحكماً، والنسبة اعتبارية معقولة لا وجود لها إلا في التعقل؛ كالقضاء للقاضي والسلطنة للسلطان؛ فإن القضاء والسلطنة وأمثال ذلك من المراتب كل ذلك أمر اعتباري معقول، ولا يرى شيئاً زائداً على ذات القاضي أو ذات السلطان، فالموجود في الخارج هو عين الذات.

وأما المراتب التي للذّات فهي اعتبارات لا وجود لها إلا في الحكم، والأحكام كلها مندرجة في الذات والأحكام كلها مندرجة في الذات اندراج أمواج البحر في البحر، واندراج الثلج والبرد والجليد في حقيقة الماء، قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه:

كل الأسامي له إن كنت تعرفه         فهو المسمى بها وكلها الله

فانظره في شجر وانظره في حجر    وانظره في كلِّ شيء ذلك الله