قال الشيخ عبد الله البوسنوي البيرامي:
اعلم أن الإنسان لم يزل مسافراً أزلاً وأبداً، ظاهراً وباطناً، دنيا وآخرة. فأول أسفاره من العماء الذي هو النفس الرحماني، ثم تعينه بالتعين الأول وبالثاني، ثم تعينه بحضرات الأسماء والأنوار والتجليات، ثم تعينه بالعين الوجودي في منزلة القلم الأعلى، ثم في مرتبة اللوح المحفوظ، ثم في مرتبة الطبيعة والهباء والجسم الكل والشكل، ثم في مرتبة العرش والكرسي، ثم في منازل السماوات السبع والأفلاك والعناصر والمواليد الثلاثة، من وجود إلى وجود، ومن طور إلى طور، ومن منزلة إلى منزلة، إلى أن نزل في هذا الجسم الغريب العنصري الذي هو أسفل جميع المنازل، وهو مبلغ نصف الدائرة من الطريق.
فيسافر به كل يوم وليلة، ويقطع المنازل من عمره إلى مرتبة تسمى بالموت، ثم أيضاً لا يزال مسافراً بقطع منازل البرازخ إلى أن ينتهي إلى منزلة تسمى بالبعث، ثم إلى منزل دار سعادته، فلا يزال فيها يتردد مسافراً بينها وبين كثيب المسك الأبيض إلى ما لا يتناهى.
وأما سفره في المعارف والمعاني كذلك فهو لا يزال مسافراً بالأعمال البدنية، والأنفاس والتوجهات القلبية، من عمل إلى عمل ومن حال إلى حال، ومن صفة إلى صفة، طبقاً عن طبق إلى أن قطع النصف الآخر من الدائرة، وبلغ مقام قاب قوسين والتعين الأول، واتصف بالكمال الوجودي الذي أُهِّل له، ووصل إلى الأصل الذي امتاز عنه مع معيته تعالى معه في جميع تلك الأسفار {وهو معكم أينما كنتم}.
ولما أمر الإنسان بالسفر إلى الله والتوجه إليه، والسلوك في الظاهر بالأعمال البدنية، وفي الباطن بالأعمال النفسية، والشكوك والشبه التي تظهر في السلوك بمنزلة الشوك والوعر الذي يكون في الطرق، ولا سيما طريق التكليف، أمره الحق تعالى بلباس {يا بني آدم خذوا زينتكم عن كل مسجد} ، وهي الكتاب والسنة، وهما زينة كل مسجد يقي بهما السالك ظاهره وباطنه من الأذى، أي استعن في سيرك في الظاهر والباطن بالكتاب والسنة وتزين بهما حتى يسهل لك الوصول وتصل إلى المقصود، فهما حبله إليك.
إذ ما تقرب أخد إلى الحق إلا به، ولا وصل إليه إلا بقوته وإعانته، فإنه لولا دعانا إليه وبين لنا طريق الوصلة والقربة وأخذ بناصيتنا لا يمكن لنا أن نعرف الطريق الذي نتقرب منه، ولو عرفناه ما لنا قوة إلا به، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.