لا ينبغي للمريد أن يتبع الشهوات المباحة بنفسه - سيدي محمد بن أحمد البوزيدي

قال سيدي محمد بن أحمد البوزيدي في الآداب المرضية: 
ولا ينبغي للمريد أن يتبع الشهوات المباحة بنفسه ، فكل ذلك بعد عن ربه، لأنه طالب الخصوصية الكبرى، وحب الشهوات مع ثبوت النفس حال الغافلين، لأنه من أحب شيئاً كان له مملوكاً أحب أم كره، والملكية لا تصح حقيقة إلا لله سبحانه.
 لأن النفس إذا غلبت بطبعها على الروح كانت عاشقة للجمال الحادث، والجمال الحداث مثله عند المحققين {كَسَرَابِ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا}. كذلك النفس تحب الأشياء فإذا ملكتها افتقرت منها وطلبت غيرها، ولم تزل هكذا تعشق الشيء فإذا ملكته زهدت فيه لأن الغنى لا يكون إلا بالله ولا يكون بالمخلوق قط.
 والروح إذا غلبت بطبعها على النفس تركت النفس وما أحبت واشتغلت بطلب الجمال الحقيقي، فتراها تنظر لباطن الأشياء كما تنظر النفس لظاهر الأشياء، فلم تزل تنظر وتحدد النظر حتى تنصقل مرآة قلبها، فتنطبع سائر الموجودات في مرآتها الصافية، فلا تطلب بعد ذلك شيئاً إلا الثبات في النظر والبعد عن الكدر، ولا يكون لها بعد ذلك سبب سوى مداومة الأدب. 
ولا ينبغي للفقير الصادق أن يتبع شهوة المباح  حتى يتخلص من نفسه، فإذا تخلص يأكل من المباح ما شاء، ويلبس من المباح ما شاء، ويركب ما شاء، ويتزوج ما شاء، لأن النفس التي كانت تشتغل بذلك عن الله ماتت وفنيت وذهبت ولم يبق منها شيء، ومعنى موتها رجوعها روحاً بغلبة طبع الروح عليها حتى أخذتها وملكتها وطهرتها وجعلتها أهلاً للحضرة.
 والنفس في الحقيقة هي الروح ولكن تاهت عن سرها، وبعدت عن ربها، وحجبت عن قدرها وشرفها، فسميت نفساً ، ولا يشكل هذا النظر إلا على من لا معرفة به بعلم الذوق ، ومن لا ذوق له لا يفرق بين النفس والروح والسر. 
والنفس تنقسم إلى ثلاثة أقسام: إذا كانت في مقام الحجاب الكثيف سميت أمارة، وإذا تلطف الحجاب عنها سميت عقلاً لأنها لا تغفل عن الله والعقل موضع الطاعة لله عز وجل،  وإذا زاد في التلطيف سميت قلباً، والقلب محل الخشية والزهد والورع والحلم والصبر وغير ذلك من سائر الأحوال والمقامات.
 ثم الروح أيضاً تنقسم إلى ثلاث: إذا استشرفت على العلم بالله سميت روحاً عالمة، وإذا وصلت سميت روحاً واصلة، وإذا تمكنت سميت روحاً كاملة وسراً من أسرار الله تعالى.