لطائف ذوقية في معاني حركات الصلاة - الشيخ محمد عقيلة

قال الشيخ محمد عقيلة (وهو الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن سعيد الحنفي المكيّ المتوفى سنة 1150 هجرية):

اعلم أيدنا الله وإياك أن أصول الأسماء الإلهية أربعة: الظاهر والباطن والأول والآخر، فكل الأسماء ترجع إلى هذه الأسماء، ومن عرف الحق تعالى من حيث ظهوره في هذه الأسماء فقد عرفه من حيث الأسماء كلها، وقد أشارت الصلاة إلى معرفة الحق سبحانه من حيث هذه الأسماء.

فالقيام يشير إلى اسمه الظاهر سبحانه، ولهذا كان فيه التوجه والدعاء والافتقار وطلب الهداية والمغفرة والتلاوة المشتملة على التحميد والتمجيد والافتقار. فكل هذه المعاني من شأن اسمه الظاهر، فإن اسمه الله والرحمن والرحيم والرب والغفار والملك والمعبود كلها من قوى اسمه الظاهر، وهذا الشهود لأهل الأسماء، ووراء ذلك مقام أهل التجلي الذاتي فيه العين الواحدة. فالمطلوب ممن كان في الصلاة أن يشاهد في حالة القيام ظهور الحق في خلقه وافتقارهم إليه.

وأما الاسم الباطن فالركوع قد أشار إليه، فلهذا لم يكن فيه غير التنزيه للحق والتعظيم، لكونه لا مشهود في الركوع إلا الحق في البطون، فيتنزه الحق عن أن يكون به التواضع في الظاهر وهو الباطن به ولا شيء إلا به. فالتواضع وإن كان في الظاهر للعبد هو الفاعل له فهو في الباطن لله بالله في الله، فهو الظاهر الباطن بكل ما ظهر وبكل ما بطن، ولها الاسم توابع من الأسماء لا تظهر أحديتها في الأكوان، بل تخفى: مثل العلي والعزيز، فالمطلوب ممن كان في الصلاة أن يلاحظ في ركوعه ظهوره بالبطون سبحانه.

وأما اسمه الأول فالسجدة الأولى قد أشارت إليه، فإن السجود عبارة عن فقد كل شيء، والعمى عن كل شيء، كما ورد في جواب سائله صلى الله عليه وسلم: "أين كان ربنا قبل أن يخلق الخلق؟"، فقال: "في عماء ما فوقه هواء ولا تحته هواء"، إشارة إلى استغراق الذات في نفسها وفقد ما سواه من عالم الناسوت، وكذلك السجود يشير إلى فقد جميع الأشياء ونفي المظاهر الحقية والخلقية، فكان السجود يشير إلى اسمه الأول قبل وجود كل موجود لما فيه من الاستغراق وعدم شهود شيء سواه سبحانه.

وأما الاسم الآخر فإن السجدة الثانية إشارة إليه، فإن الساجد لما سجد السجدة الأولى شهده من حيث كونه أولاً، فلما رفع كان الرفع بشير إلى الظهور بعد العدم، والسجدة الثانية تشير إلى الرجوع إلى الحالة الأولى، كما قال سبحانه وتعالى: {كما بدأنا أول خلق نعيده، ألا إلى الله تصير الأمور} أي ترجع كما كانت فلا يبقى إلا اللاهوت المحض، كما كان ليس هناك مظاهر ولا شؤون فافهم ذلك.

فإن في ملاحظة ذلك سراً كبيراً لكون الإنسان يعبد الحق حينئذ من جميع المظاهر والأسماء الإلهية في صلاته، وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.