قال سيدي محمد بن أحمد البوزيدي في الآداب المرضية:
من أدب المريد إذا أراد الجلوس بين يدي شيخه أن يتوضأ لجلوسه بين يدي محبوبه، لأن ذلك الجلوس هو مع الله لا مع الشيخ، وذلك المجلس هو من أعظم الذكر والله عزّ وجل يقول: "أنا جليس من ذكرني وأنا معه حين يذكرني"، الحديث .
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه والسلام عن أكل ما فيه الرائحة الخبيثة كالثوم وما أشبهه، ونهى عن خروج الريح في المسجد لأن ذلك يؤذي الملائكة لأنهم يحفونها بأجنحتهم عليهم السلام ويخرجونها من المسجد تعظيماً لبيت الله سبحانه. فإذا كانت ملائكة الله عليهم السلام يحفون المساجد التي يذكر فيها اسم الله، فما بالك بمجلس أولياء الله تعالى الذين هم روح المساجد وقلوبهم بيت الرب سبحانه كما في: "لن يسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن".
واعلم أنه ينبغي للمريد أن يتحرز جسده من كل ما يستقذر ويتنظف قبل دخوله لحضرة أهل الله كما يتنظف لدخول المسجد، وقد رأيت بعض إخواننا يقومون من حضرتهم من غير عذر، وذلك لقلة التربية وقلة التعظيم. ولا ينبغي له أن يقوم إلا لضرورة أو لحاجة الشيخ أو الوالدين، ومن قام لعلة به أو الضرورة وتخطى رقاب الإخوان فالواجب عليهم أن يحملوا ضرورته وضرورة غيره من سائر المسلمين، سيما في ذلك الوقت الذي هو محل الكلام على الأدب، إذا لم يكن الفقير على بصيرة في حضرة الشيخ فذلك دليل على طمس بصيرته.
واعلم أن افتضاح النفوس في دعاويها إنما هو عند التعرف، وينبغي للفقير الصادق أن يكون فعله أكبر من قوله، وذلك لئلا يختبر فيما ادعاه فيفتضح. ومن الواجب على المريد أن يحمل إذاية أخيه بقلبه وجوارحه أكبر من إذاية غيره. ولا بأس بالأخ الناصح أن يظهر أثر الغضب باللسان دون القلب على من هو مسيء الأدب، إذ كثير من النفوس لا تتربّى بالإحسان إلا قليل من أهل النفوس الزكية، وأما أهل النفوس الخبيثة فلا يسيرون إلى الله إلا بما تكره نفوسهم، لكن الصادق في طلب مولاه يتحمل عليها ما تكره سواء أحبت أم كرهت وشدة صعوبتها لذلك من غلظة الحجاب، وغلظة الحجاب من شدة حب الدنيا.