قال الشيخ محمد بن أحمد البوزيدي في الآداب المرضية:
ومن أدب المريد: أن لا يشكو لشيخه حوائج دنياه، فإن عسر عليه شيء فليتوسل إلى الله تعالى بشيخه، ولا يظهر ذلك، ومن أظهر ذلك فقل أن يفلح فإن دخوله في حضرة الشيخ كان بنية الآخرة لا بنية الدنيا، وحينئذ فلا يطلب خلاف ما قصد، وإن طلبه كان ذلك غشاً منه وسوء أدب. ومن كان على هذا الحال فهو محسوب من العوام، فإن ظهر من المريد شبه هذا فليعترف لله ولرسوله وللشيخ بأنه مسيء الأدب، ثم يتوب إلى الله توبة نصوحاً، ظاهراً وباطناً، ظاهراً بالجوارح مع الشيخ، وباطناً مع الله ورسوله.
وينبغي له أيضاً أن لا يشتكي للشيخ بالفقر وإذاية الخلق، ولا للإخوان ولا لغيرهم، بل يلزم نفسه المجاهدة والمكابدة، والصبر على معرفة الله، فإن المعرفة أولها صبر ومجاهدة، ثم حب ومكابدة، ثم غيب ومشاهدة، ثم صحو ومكالمة. فمن كانت بدايته كما ذكرنا كانت واعلم أن المريد إذا اشتكى للشيخ الفقر والإذاية سقط من عينه إلا إذا كان جاهلاً بعلم الطريق فيعلم، فإذا علم ثم شكا سقط من عينه، لا سيما إن كان يدّعي القرب من الحضرة، ويزعم أنه ثابت في النظرة، فإن شكواه تكذب دعواه، والراسخ في المعرفة لا يخفى. وعند وجود التعرفات يعرف كل واحد حدّه، ولا تبقى دعوى خفية دون وجود البلية.
والمريد الحقيقي لا يشتكي من جوع أو عري أو ضرب أو غير ذلك محبة في الله ولأنه لا يعلم فاعلا غير الله، ولا يشتكي إلا من شهد فعل غيره، ومن كان كثير الشكوى لا يصلح للحضرة. وينبغي لهذا المريد أن يروض نفسه وأن يلزمها الذل لتذوب نفسه وتفنى وتضمحل وترق وتدق، ليسرع دخولها من باب الحضارة، لأن باب الحضارة ضيقة على النفس المتكبرة بالمال والجاه أو غير ذلك من العلل التي منعت كثيراً من الناس دخول الحضارة ، والحضارة معنى ، ولا يدخل الحضارة إلا من كان معنى ، ومن لم يحمل الفقر والإذاية فليس له نصيب في الولاية.