قال الشيخ عمر اليافي:
لو ترك العالم في العدم، ولم يقابله صلى الله عليه وسلم بذاته الشريفة التي انطبع فيها صورة الوجود الحقي، لدام العام في عدمه، ولم تدرك له صورة لا تحقيقاً ولا تقديراً ولا فرضاً، وإلى ذلك يشير الخطاب الإلهي له: "لولاك لما خلقت سماء ولا أرضاً"، ومعلوم أن هذا المصطفى الصفي، مفتاح الكنز المخفي الذي لولاه لما انفتح ولما انكشف، وهي قوله: "كنت كنزاً مخفياً لا اعرف"،فأول ما خلق الله روحه صلى الله عليه وسلم، جعله الله روحه صلى الله عليه وسلم، جعلها تعالى مرآة لتجلي وجوده في مجالي شهوده.
ثم لما أراد سبحانه إبراز العالم من العدم قابله بمرآة نبينا صلى الله عليه وسلم، فلما انعكس نور الوجود الظاهر فيها إلى ما قابلته من العدم، فبدد ذلك النور المنبعث منها ظلمة العدم، فظهر العالم، ولولا تلك المقابلة لكان العالم في ظلمة عدمه باقياً. وتشبيهنا لنبينا صلى الله عليه وسلم بالمرآة لتجلي الوجود إنما هو تمثيل للعقول، وتقريب للأفهام، وهو سالم عن خالصة شائبة الاتحاد بالحق تعالى والحلول، فإنه صلى الله عليه وسلم كمرآة قابلتها ذات الشمس وتجلت لها، فظهر تجلي الشمس فيها، ثم انعكس نور التجلي الإلهي في تلك المرآة في مرأة أخرى تقابلها، ثم وثم إلى ما لا نهاية.
وأصل ما ظهر في المرآة الأولى والذي ظهر في المرآة إنما هو مثال الشمس لا عينها، وقد أشارت إلى أن العالم ظل الوجود الإلهي آية: {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكناً ثم جعلنا الشمس عليه دليلا}، فالإشارة بالظل إلى العالم، وبالشمس إلى شمس الذات الأحدية، فإنها عند أهل المعرفة والشهود دليل على الظل الممد، لأنهم يستدلون بالحق على الخلق، وهذا عكس ما عليه علماء الكلام والنظر المستدلون على الحق بالخلق.
وبما مثلناه من المرآة وظهور الشمس فيها يظهر لك أن الوجود الحادث مثال الوجود القديم يظهر في مرايا ذرات الكون الموجود مرآة لعلمه، وإن المثال لا حقيقة له ولا وجود وإنما له الثبوت فقط، وفرق بين الثبوت. وحقيقة الحقائق كلها روح العوالم الفاتح الخاتم، فهو الأصل الممد لجميع العوالم، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم المرآة الأولى التي ظهر بها مثال وجود الحق القديم ثم ترتب عليها وجود العالم، فإنه سبحانه أوجد بعد روح نبينا القلم ثم اللوح ثم الفلك ثم العناصر والطبائع ثم المولدات، وهي الأنسان والحيوان والنبات والجماد، وأصل ذل كله روح نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.