قال الشيخ نور الدين علي الحجازي السقطي في شرحه على إشارات سيدي شهاب الدين عمر السهروردي قدس سره:
"اعلم أيها الأخ أنك المتصرف" بنفسك لنفسك "ما لم تر الحق" قائماً بعد فناء الشواهد وانعدام المراتب، وما تيسر مطلب أنت طالبه بنفسك وأنت محجوب عن شهود كمال القدرة الإلهية، وكلك شرك خفي ولا يبين لك توحيدك إلا إذا خرجت عنك، فإذا خرجت عنك تبين لك أنه هو لا أنت "فإذا رأيته" أي شهدت كمال ذاته في قدرته "كان هو المتصرف لا أنت" لأنك ساقط الاختيار والإرادة بما أمد به سرك من أنوار التجلي الموجب للتفويض والتسليم.
"واعلم أيها الأخ أنك إن جعلت العلم" الإلهي الذي من لوازمه وعلامة حصوله نفي الوهم والخيال "كان دليلك إلى الحق أوصلك إليه وإليك" إذ وصولك إلى الله وصولك إلى العلم به، ومن وصل إلى الله بنور العلم والإيمان، وأراد الله به الكمال، رده إلى حقيقة إنسانيته بذلك النور الموهوب ليشهد كمال قدرته في محل عجزه، ليكون أبداً في الموافقة مع الكشف الإلهي والسر الرباني، لأن من لم يشهد كمال قدرته في محل المعرفة كان ناقص المعرفة.
ألا ترى إلى آدم عليه السلام، لما أراد الله تعالى به الكمال أنزله إلى الأرض ليشهد تأثير جميع أسمائه وصفاته، ولهذا قال بعض المحققين: "أكرم بها معصية أورثت الخلافة، والله ما أنزله الأرض إلا ليكمله".
"وإن جعلت العلم دليلك إليك لم يوصلك لا إليه ولا إليك" لأن طلبك هذه الحالات يحجبك عن شهود صفات الربوبية وأحوال العبودية "فكان جهلاً" لأن مادية نور التجلي احتجبت بظلمة الاختيار والتدبير.
"واعلم أيها الأخ أن الطائع والعاصي محجوبان عن الحق" لأن الطاعة والمعصية صفتان للعبد، وصفة العبد تحجب عن الحق، ومن اختاره الله تعالى لذاته حجبه عن أفعال نفسه وصير الطاعة سجية لذاته قائمة به لا أنه قائم بها إذ هو ناظر إليه بما أمده به من النظر إليه "والناظر إليه به لا بنفسه لا يطيع ولا يعصي" لأنه بربه لا بنفسه فهو في حالة طاعة محض والمعصية لا يعلمها، لأن طريق أهل الله المحبة لا العمل، والفناء لا البقاء، فأهل الفناء انتقلوا من موطن الطاعة وهي العبودية إلى موطن الحق تعالى، إذ الفناء اضمحلال ما دون الحق علماً ثم عيناً ثم حقاً، وألا كل شيء ما خلا الله باطل.
وإلى هذا المقام أشار بعضهم بقوله: "عجبت لمن عرف الله كيف أطاعه"، أي عجبت لمن خرج من حدود نفسه وقيود حسه وعوالم طبعه إلى فسيح حضرات شهود ربه ومعرفته في مقام أنسه وقربه كيف يعود إلى رسمه وحسه ويطيع بنفسه.