قال الشيخ محمد سعيد السرهندي في مكتوباته:
{واذكر ربك إذا نسيت}، أي إذا استولت الغفلة على ظاهرك فليكن باطنك دائماً ما الله سبحانه حاضراً، وذلك إنما يتصور إذا فني الذاكر في المذكور بحيث لا يبقى منه عين ولا أثر، وبقي ببقائه، وحيي بحياته، وعلم بعلمه، فحينئذ يكون علمه بالمذكور حضورياً دائمياً غير مستتر، إذ الحضور ينافي الاستتار اللازم للحصول الارتسامي. وما لم تتحقق له هذه الحالة لم تتحقق حقيقة الذكر، لأن الشخص ما دام في قفص نفسه، مستحضراً لها، مشغوفاً بحبها، وهالكاً في عشقها، ليس ذكره بشيء إلا عائداً إليها، فهو ذاكر وعائد لها، مشرك في المعنى وإن كان موحداً في الصورة.
فمن سبقت له الحسنى، وأدركته السعادة الأزلية، وعلم بالذوق أن {كل شيء هالك إلا وجهه}، وأرشدته مطالعة ذله وافتقاره إلى عدم الالتفات إلى ذاته وصفاته المستهلكة في ذات الحق وصفاته، فتبرأ منها وقال: {إني لا أحب الآفلين} فيتوجه بكليته إلى الوجود المطلق الذي كل مقيد ظل من ظلاله واعتبار من اعتباراته، قائلاً: {إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين}، كان له نصيب من "ما أتاني يمشي أتيته هرولة" ومن ":من تواضع لله رفعه الله".
وكلما تخلى عن الرذائل الإمكانية الردية يتحلى بأنوار القدم السرمدية، فيعرف بالوجود القديم إذ هو العارف والمعروف وإليه يرجع الأمر كله. فكلما أفل مظهر أو تجل قال: {عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا}، وإن الرشد الأرشد أن ليس في الوجود إلا هو، وأن ليس إلا ظهور الكمالات في مرايا العدم، وتصورها في مقابلاتها مع كونه على صرافة الإطلاق وكون المرايا والمجالي على دناءة العدم: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} الثابت الموجود الأصلي، وكل شيء محفوف بسطوات أنواره، مضمحل في لمعات سطوع سلطانه.