قال الشيخ حسن بن موسى الباني الكردي القادري في شرحه على حكم الشيخ الأكبر، عن قوله: "أفن ما أضُيف إليك: تبق بما أضيف إليه":
أي: أزل وارفع عنك كل ما أُضيف، ونُسب إليك من ذاتك، وأسمائك وصفاتك وأفعالك وأحكامك، بأن لا ترى لك وجودًا واسمًا وصفةً وفعلاً وحكمًا، وتتحقق بما قال الله - عز وجل - : { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} يعني ظهر بصورتكم، وصورة أعمالكم، فهو تعالى ما فُقد في أعمالكم، كما أنه ما فُقد في ذواتكم، فإثبات ما ليس بثابت محض دعوى ونزاع و لا يليق بالعبد النَّزاع مع سيده، والعبد المُنازع مع السيد ما له إلا الخسران خصوصًا إذالم يكن للعبد مأوى يأوي إليه غير سيده.
وإن ما أُضيف إلى العبد فانٍ، والموصوف بالفاني لا يكون إلا الفاني، فإذا أفنيته يجعلك الله تعالى باقيًا بما أُضيف إلى الحق؛ لأنه كل ما ترتفع صفة من الصفات البشرية من العبد قامت صفة إلهية مقامه، وصفات الله باقية {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ}، والموصوف بالباقي لا يكون إلا الباقي.
فمن كان في الفناء فهو فانٍ وإن كان موجودًا، ومن كان في الباقي فهو باقٍ وإن كان مفقودًا، مع أنه لا يتصف في الحقيقة بالوجود إلا من صار مفقودًا، وهو القائم بالله الفاني عن وجوده بوجود الله، وإلافناء المذكور لا يكون إلا بالتوجه التام إلى الحق سبحانه وتعالى؛ لأنه إنما تتقوّى جهة الحقيَّة على الخلقية، والبقاء على الفناء به على حسبه حتى إذا كمل التوجه اضمحلت الخلقيّة بقهر الحقيّة عليها، والتوجه إنما يحصل بالمحبَّة الذاتية المستورة الموجودة فيه بالقوة، وظهور تلك المحبة ليس إلا بالاجتناب عما يناقضها من المخالفات والمنازعات.
والتوجه التام: تفريغ القلب عما سوى الله تعالى، والتجريد عن كلِّ وصف بشري، وأن لا يتقيد بشيءٍ من الوجود والعدم والإظهار والإخفاء وغير ذلك، وإذا لم تفن أنت أيها السالك الطالب للتوحيد الموجب للنجاة الأبدية عما هو منسوب إليك فتعكف على رؤيةالأفعال والحركات والسكنات لك وصادرة منك، وأنت فاعلها، تبقى في الشرك الخفي الموجب للحرمان من الدخول في حضرة القدس.
لأن كلك شرك خفي كما قال الشيخ الولي الكامل رسلان قَدَّس الله روحه، والدليل على هذا قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلاّوَهُم مُّشْرِكُونَ}، فالمراد الشرك الخفي، وإلا فلا يجتمع مع الإيمان الشرك الجلي. ومعنى كون الشرك الخفي هو أنه يشرك بالله من وجه لا يشعر به وهو في التوحيد، وخفاء هذا الشرك إنما هو عن العوام، وأمَّا الخواص فليس بخفي عندهم؛ لأنهم لا يرون غير الله، فمتى أثبتوا وجود الغير لله تعالى يحكمون بشركهم ويتوبون عنه بالرجوع من شهوده إلى شهود التوحيد الحقيقي.