قال الشيخ روزبهان البقلي قدس سره في تفسيره لقوله تعالى: {يحبهم ويحبونه}:
أخبر سبحانه أنه يجئ بقوم أحبهم في الأزل، وهم بمحبته يحبونه، وهم يوافقون النبي صلى الله عليه وسلم بشرط المحبة، لأن من شرط المحبة الموافقة والطاعة. وبيّن أن من لم يكن مطيعاً لم يكن محباً، قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ}. بيّن تعالى أن المحبة من خواص صفته الأزلية، لأنه كان بذاته يحب أحبائه وكانت ذاته موصوفة بمحبته الأزلية، كما أنه تعالى يحب الأولياء بذاته وصفاته فهم يحبون الله بذاتهم وصفاتهم من جميع الوجوه لأن مصدر محبة القدم وليس هناك فعل، ومحبة العباد مصدرها قلوبهم وليس هناك فعل، وأصل المحبة وقع بغير علة الآلاء والنعماء والأفعال والحركات.
فهو سبحانه أحبهم بعلمه في الأزل قبل إيجادهم باصطفائيته فكأنه أحب نفسه لأن كونهم لم يكن ألا بكون وجوده، ووجوده سبب وجودهم، وهو تعالى أحب فعله، ومرجع فعله صفته، فهو أحب صفته، ومرجع صفته ذاته، فهو أحب ذاته ولم يكن الغير في البين، فكان هو المحب وهو المحبوب وصفته المحبة وهم يحبونه بتجلي الصفة في قلوبهم وهو مباشرة نور محبته في فؤادهم. فلما تكحلت عيون أحبائه بنور محبته طلبت مصدر أصل الصفة فوجدت مشاهدة الأزل عياناً بلا حجاب فأحبتها بالمحبة الأصلية التي لا تتحول من مصرف الاصل أبداً. فإذا كان كذلك، فالمحب والمحبوب والمحبة في عين الجمع واحد، وهذا عبرة قوله سبحانه بلسان نبيه صلى الله عليه وسلم حيث أخبر عن المحب الموحد المتصف بصفاته: "فإذا أحببته كنت له سمعاً وبصراً ولساناً ويداً".
قال الواسطي فى هذه: كما أنه بذاته يحبهم كذلك يحبون ذاته لأن الهاء راجعة إلى الذات دون النعوت والصفات.