بحث متقدم
الأربعاء 6/4/1446 هـ - الموافق 9/10/2024 م
القائمة
الصفحة الرئيسية
الطريقة الشاذلية الدرقاوية
مقدمة عامة عن الطريقة الشاذلية الدرقاوية
أخبار الطريقة الشاذلية الدرقاوية
جديد كلام العارفين بالله تعالى والمحققين الوارثين
الحقائق الإلهية في أشعار السادة الصوفية
مشايخ الطريقة
الأوراد
ورد الطريقة العام
أوراد الطريقة الخاصة
المكتبة
كتب تصوف بتحقيق الشيخ الدكتور عاصم الكيالي
مقالات صوفية
المكتبة المرئية
المكتبة المسموعة
مجموعة مخطوطات
كتب تصوف أخرى
تسجيل العضوية
للتواصل والاستفسار
شرح الحكمة العطائية الثانية من كتاب اللطائف الإلهية
الحكمة الثانية:
«إرادتك التّجريد مع إقامة اللّه إيّاك في الأسباب من الشّهوة الخفيّة، و إرادتك الأسباب مع إقامة اللّه إيّاك في التّجريد انحطاط عن الهمّة العليّة» .
شرح الحكمة:
التجريد في اللغة: الإزالة، تقول: جردت الثوب أزلته عني، و جردت الجلد: أزلت شعره.
هذا هو معنى التجريد في اللغة، و أما عند علماء التربية و السلوك فله معان عدة بحسب أقسامه الثلاثة:
القسم الأول: تجريد الظاهر و معناه: ترك الأسباب الدنيوية التي تشغل الجوارح عن طاعة اللّه تعالى.
القسم الثاني: التجريد الباطني و معناه: ترك العلائق النفسانية التي تشغل القلب عن الحضور مع اللّه تعالى.
و القسم الثالث: تجريد الظاهر و الباطن معا و يقال له التجريد الكامل و يشمل المعنيين.
فيكون معنى التجريد التفرغ للعبادة و المراقبة مع ترك الأسباب الدنيوية، كالعمل من أجل الكسب الحلال، و على هذا فيكون معنى الحكمة في شطرها الأول، أن الإنسان الذي أقامه اللّه تعالى في الأسباب أي: الأخذ في أسباب الرزق بأن يعمل و يجاهد سعيا وراء الكسب الحلال ليعيل نفسه و أهله و أولاده، عليه أن يحمد اللّه تعالى الذي وفقه و أقامه في هذه الحالة، لا أن يطلب من اللّه تعالى أن ينقله إلى مقام التجريد ليرتاح من عناء السعي وراء الكسب لما في ذلك من جهد و مشقة و تعب، مدعيا أن ذلك يشغله عن العبادة، لأن نفسه تريد من وراء هذا الطلب و هذا الادعاء أن ترتاح، فيكون مطلبها من الشهوة الخفية، و كون ذلك من الشهوة الخفية لعدم وقوف العبد مع مراد مولاه. و عليه أن يعلم أن ما هو فيه يعتبر عبادة و طاعة لقوله تعالى:
أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ [البقرة:٢۶٧]. و قوله تعالى: فَإِذٰا قُضِيَتِ اَلصَّلاٰةُ فَانْتَشِرُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ اِبْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اَللّٰهِ [الجمعة:10]. و لقول النبي صلى اللّه عليه وسلم:
«ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده و إن نبي اللّه داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده».
أما معنى الحكمة في شطرها الثاني و هو: و إرادتك الأسباب مع إقامة اللّه إياك في التجريد انحطاط عن الهمة العلية.
أي: من أقامه اللّه تعالى في خدمته، بأن تفرّغ لتعلم العلم و تعليمه، و انقطع بذلك عن كل ما يشغل الجوارح عن طاعة اللّه تعالى، و القلب عن الحضور مع اللّه مصدقا لقول النبي صلى اللّه عليه وسلم:
«الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر اللّه و ما والاه و عالما و متعلما» .
و هو في حاله هذا عنده من الرزق ما يكفيه و يكفي عياله، أو كان يأتيه رزقه يوما بعد يوم، ثم أراد أن يترك مقام التجريد هذا فإنه يكون بذلك ضعيف الهمة، لأن مقام التجريد يحتاج إلى قوة كبيرة من اليقين و الصبر و جهاد النفس أثناء الذكر و العبادة و تحصيل العلوم الشرعية و دعوة الخلق و إرشادهم إلى الحق، قال تعالى: وَ مَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعٰا إِلَى اَللّٰهِ وَ عَمِلَ صٰالِحاً وَ قٰالَ إِنَّنِي مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ (٣٣) [فصّلت:٣٣].
و قال تعالى: وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى اَلْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ وَ أُولٰئِكَ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ (104) [آل عمران:104]. قال الشيخ ابن عطاء اللّه في كتابه التنوير: «و الذي يقتضيه الحقّ منك أن تمكث حيث أقامك حتى يكون الحق تعالى هو الذي يتولى إخراجك كما تولى إدخالك، و جاء في شرح الحكم العطائية: «و اعلم أن المتسبب و المتجرد عاملان للّه إذ كل واحد منهما حصل له صدق التوجه إلى اللّه تعالى حتى قال بعضهم: مثل المتجرد و المتسبب كعبدين للملك، قال لأحدهما: اعمل و كل، و قال لآخر: الزم أنت حضرتي و أنا أقوم لك بقسمتي، و لكنّ صدق التوجه في المتجرد قد يكون أقوى لقلة عوائقه و قطع علائقه، و قد يكون العكس هو الصحيح و ذلك يختلف باختلاف الأشخاص.