بحث متقدم
الأربعاء 6/4/1446 هـ - الموافق 9/10/2024 م
القائمة
الصفحة الرئيسية
الطريقة الشاذلية الدرقاوية
مقدمة عامة عن الطريقة الشاذلية الدرقاوية
أخبار الطريقة الشاذلية الدرقاوية
جديد كلام العارفين بالله تعالى والمحققين الوارثين
الحقائق الإلهية في أشعار السادة الصوفية
مشايخ الطريقة
الأوراد
ورد الطريقة العام
أوراد الطريقة الخاصة
المكتبة
كتب تصوف بتحقيق الشيخ الدكتور عاصم الكيالي
مقالات صوفية
المكتبة المرئية
المكتبة المسموعة
مجموعة مخطوطات
كتب تصوف أخرى
تسجيل العضوية
للتواصل والاستفسار
شرح الحكمة العطائية الثلاثين من كتاب اللطائف الإلهية
الحكمة الثلاثون:
«الخذلان كلّ الخذلان أن تتفرّغ من الشّواغل ثمّ لا تتوجّه إليه، و تقلّ عوائقك ثمّ لا ترحل إليه» .
شرح الحكمة:
إن هذه الحكمة تشير إلى قول النبي صلى اللّه عليه و سلم:
«نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة و الفراغ» (رواه الإمام البخاري) . و بيان ذلك أن الإنسان في هذه الحياة الدنيا مطالب بعبادة اللّه تعالى و معرفته و نشر دينه، إلا أن شواغل الدنيا الحسية، و علائق القلب المعنوية، و عوائق النفس و الهوى و الشيطان، و كذلك البلايا و الرزايا و الأمراض، كل ذلك يحول بينه و بين طريق الآخرة.
إن احتياجات الإنسان المادية و غرائزه الحيوانية تشده إلى الجري خلف الدنيا، ليشبع هذه الاحتياجات و الغرائز، فيملأ وقته بجمع المال، الذي يحقق له بقاء صورته، و يشبع شهواته، و يرضي نفسه و هواه، و يكون ذلك على حساب احتياجاته الروحية، التي هي أصل وجوده، و هذه الشواغل المادية تنمي عنده العوائق النفسية و الشيطانية. لأن الانغماس في الدنيا يفسد النفس و يقسي القلب و يحجب الروح، و يميل بالهوى.
فمن كان هذا حاله لا شك أنه سيغفل عن هدف وجوده، و يضل عن طاعة ربه و امتثال أوامره و اجتناب نواهيه.
فالإنسان العاقل هو الذي ينتهز فرصة تمتعه بنعمتي الصحة و الفراغ في الإقبال على عبادة اللّه تعالى، لكي لا يغبن في تجارته قال اللّه تعالى: إِنَّ اَلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتٰابَ اَللّٰهِ وَ أَقٰامُوا اَلصَّلاٰةَ وَ أَنْفَقُوا مِمّٰا رَزَقْنٰاهُمْ سِرًّا وَ عَلاٰنِيَةً يَرْجُونَ تِجٰارَةً لَنْ تَبُورَ (29) [فاطر:29] قال الشيخ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري عند شرحه للحديث آنف الذكر: «و قال الطيبي: ضرب النبي صلى اللّه عليه و سلم للمكلّف مثلا بالتاجر الذي له رأس مال، فطريقه في ذلك أن يتحرى فيمن يعامله و يلزم الصدق و الخدمة لئلا يغبن، فالصحة و الفراغ رأس المال، و ينبغي له أن يعامل اللّه بالإيمان، و مجاهدة النفس و عدو الدين، ليربح خيري الدنيا و الآخرة، و قريب منه قول اللّه تعالى: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلىٰ تِجٰارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذٰابٍ أَلِيمٍ [الصّف:10]و عليه أن يجتنب مطاوعة النفس و معاملة الشيطان لئلا يضيع رأس ماله مع الربح» .
و قال أيضا: «و قال ابن الجوزي: قد يكون الإنسان صحيحا و لا يكون متفرغا لشغله، و قد يكون مستغنيا و لا يكون صحيحا، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون، و تمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة، و فيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة، فمن استعمل فراغه و صحته في طاعة اللّه فهو المغبوط، و من استعملها في معصية اللّه فهو المغبون، لأن الفراغ يعقبه الشغل، و الصحة يعقبها السقم» .
فالخذلان كل الخذلان لمن تفرغت جوارحه من الشواغل الحسية الظاهرة و قلبه من العوائق المعنوية الباطنة، و لم يتوجه إلى مولاه بإخلاص العبودية له تعالى، بأن يقبل عليه بكليته، فلا يشغل عقله و قلبه بسواه تعالى. قال الشيخ عبد الكريم القشيري: «فراغ القلب من الأشغال نعمة عظيمة، فإذا كفر عبد هذه النعمة بأن فتح على نفسه باب الهوى، و انجرّ في قياد الشهوات، شوّش اللّه عليه نعمة قلبه، و سلبه ما كان يجد من صفاء لبه» .