بحث متقدم
الخميس 19/5/1446 هـ - الموافق 21/11/2024 م
القائمة
الصفحة الرئيسية
الطريقة الشاذلية الدرقاوية
مقدمة عامة عن الطريقة الشاذلية الدرقاوية
أخبار الطريقة الشاذلية الدرقاوية
جديد كلام العارفين بالله تعالى والمحققين الوارثين
الحقائق الإلهية في أشعار السادة الصوفية
مشايخ الطريقة
الأوراد
ورد الطريقة العام
أوراد الطريقة الخاصة
المكتبة
كتب تصوف بتحقيق الشيخ الدكتور عاصم الكيالي
مقالات صوفية
المكتبة المرئية
المكتبة المسموعة
مجموعة مخطوطات
كتب تصوف أخرى
تسجيل العضوية
للتواصل والاستفسار
شرح الحكمة العطائية الرابعة والعشرين من كتاب اللطائف الإلهية
الحكمة الرابعة و العشرون:
«إذا علمت أنّ الشّيطان لا يغفل عنك، فلا تغفل أنت عمّن ناصيتك بيده» .
شرح الحكمة:
أمهد لشرح هذه الحكمة بالقول:
إن الإنسان لم يخلق عبثا في هذا الكون مصداقا لقوله تعالى: أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّمٰا خَلَقْنٰاكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنٰا لاٰ تُرْجَعُونَ (115) [المؤمنون:115]. إن سبب خلقنا في هذه الدنيا نجده في قوله تعالى: وَ مٰا خَلَقْتُ اَلْجِنَّ وَ اَلْإِنْسَ إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ (56) [الذّّاريات: 56]فنعبد اللّه تعالى بإطاعة أوامره و اجتناب نواهيه وصولا إلى معرفة وحدانيته تعالى في ذاته و صفاته و أفعاله، لأن هذه المعرفة هي غاية العبادة و هدفها الأسمى، فبها يعمّر الكون، و تستقيم الحياة البشرية، و يدرك الاطمئنان الدنيوي، و تنال السعادة الأبدية.
إلا أن الإنسان خلال طاعته لربه، سيجد معوقات و موانع تحول بينه و بين تحققه بعبوديته للّه تعالى و الخضوع لشريعته. و هي كثيرة و أصولها أربعة: الأول النفس مصداقا لقوله تعالى: إِنَّ اَلنَّفْسَ لَأَمّٰارَةٌ بِالسُّوءِ [يوسف:53]الثاني: الدنيا مصداقا لقوله تعالى: اِعْلَمُوا أَنَّمَا اَلْحَيٰاةُ اَلدُّنْيٰا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ [الحديد:20]الثالث: الخلائق مصداقا لقوله تعالى: وَ إِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي اَلْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اَللّٰهِ [الأنعام:116]الرابع: الشيطان مصداقا لقوله تعالى: إِنَّ اَلشَّيْطٰانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا [فاطر:6].
إن هذه الحكمة تتكلم عن هذا المانع الرابع الذي هو الشيطان، و تذكرنا علمنا و معرفتنا بأنه-أعاذنا اللّه منه-لا يغفل عنا، لأنه أقسم أنه سيغوينا و سيحول بيننا و بين دين اللّه تعالى و صراطه المستقيم، قال اللّه تعالى: قٰالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلاّٰ عِبٰادَكَ مِنْهُمُ اَلْمُخْلَصِينَ (83) [ص: الآيتان 82،83]و قال تعالى: قٰالَ فَبِمٰا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرٰاطَكَ اَلْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمٰانِهِمْ وَ عَنْ شَمٰائِلِهِمْ وَ لاٰ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شٰاكِرِينَ (17) [الأعراف: الآيتان 16،17]. قال سيدنا عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما في تفسير هذه الآية: «من بين أيديهم: أشككهم في آخرتهم، و من خلفهم: أرغبهم في دنياهم، و عن أيمانهم: أشبه عليهم أمر دينهم، و عن شمائلهم: أزين لهم المعاصي و أحقق لهم الباطل» .
فإذا علمنا أن الشيطان لا يغفل عنا لأنه يجري منا مجرى الدم مصداقا لقوله صلى اللّه عليه و آله و سلم:
«إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم» فعلينا أن لا نغفل عمن نواصينا بيده سبحانه و تعالى، لأن حضورنا مع اللّه تعالى هو أنجع الأدوية التي تعالجنا من سيطرة الشيطان على أعمالنا و نفوسنا و قلوبنا و عقولنا. و إن عدم الغفلة عن اللّه تعالى تتحقق بأمور كثيرة منها: المداومة على ذكر اللّه تعالى بأنواعه المختلفة، قال اللّه تعالى: إِنَّ اَلصَّلاٰةَ تَنْهىٰ عَنِ اَلْفَحْشٰاءِ وَ اَلْمُنْكَرِ وَ لَذِكْرُ اَللّٰهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45]و منها: تلاوة القرآن الكريم، قال اللّه تعالى: وَ إِذٰا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيٰاتُهُ زٰادَتْهُمْ إِيمٰاناً وَ عَلىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2]. و منها: الاستغفار و في الحديث الذي رواه أحمد في المسند من حديث أبي سعيد الخدري رضي اللّه تعالى عنه: «إن إبليس قال: و عزتك و جلالك لا أبرح أغوي بني آدم ما دامت الأرواح فيهم، فقال اللّه عزّ و جل: و عزتي و جلالي لا أبرح أغفر لهم ما استغفروني» .
و منها: التوكل على اللّه تعالى في كل الأمور مصداقا لقوله تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطٰانٌ عَلَى اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) [النّحل:99]و منها: صدق العبودية للّه تعالى بامتثال أوامره و اجتناب نواهيه مصداقا لقوله تعالى: إِنَّ عِبٰادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطٰانٌ وَ كَفىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلاً (65) [الإسراء:65]. و منها: الاستعاذة باللّه من الشيطان امتثالا لقوله تعالى: فَاسْتَعِذْ بِاللّٰهِ مِنَ اَلشَّيْطٰانِ اَلرَّجِيمِ [النّحل:98].
و منها: التقوى المؤدية إلى سرعة الرجوع إلى اللّه تعالى بالتوبة عند مس خواطر الشيطان لهم مصداقا لقوله تعالى: إِنَّ اَلَّذِينَ اِتَّقَوْا إِذٰا مَسَّهُمْ طٰائِفٌ مِنَ اَلشَّيْطٰانِ تَذَكَّرُوا فَإِذٰا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) [الأعراف:201].
و منها: التسمية عند شؤونك كلها قال صلى اللّه عليه و آله و سلم:
«إذا دخل الرجل بيته فذكر اللّه تعالى عند دخوله و عند طعامه قال الشيطان لأصحابه لا مبيت لكم و لا عشاء، و إذا دخل فلم يذكر اللّه تعالى عند دخوله قال الشيطان أدركتم المبيت: و إذا لم يذكر اللّه تعالى عند طعامه قال أدركتم المبيت و العشاء» (رواه مسلم) . و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم:
«لو أن أحدهم، إذا أراد أن يأتي أهله قال: باسم اللّه اللّهم جنبنا الشيطان، و جنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه، إن يقدّر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبدا» (رواه مسلم) . 82
فعليك أخي المسلم أن لا تغفل عن اللّه تعالى طرفة عين إذا أردت أن تسلم من كيد الشيطان و مكره و إغوائه، و يتحقق لك ذلك بأن تعبد اللّه تعالى كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك و هذا هو مقام الإحسان، و الإحسان ثالث أركان الدين الإسلامي و يأتي بعد ركني الإسلام و الإيمان.