بحث متقدم
الأربعاء 6/4/1446 هـ - الموافق 9/10/2024 م
القائمة
الصفحة الرئيسية
الطريقة الشاذلية الدرقاوية
مقدمة عامة عن الطريقة الشاذلية الدرقاوية
أخبار الطريقة الشاذلية الدرقاوية
جديد كلام العارفين بالله تعالى والمحققين الوارثين
الحقائق الإلهية في أشعار السادة الصوفية
مشايخ الطريقة
الأوراد
ورد الطريقة العام
أوراد الطريقة الخاصة
المكتبة
كتب تصوف بتحقيق الشيخ الدكتور عاصم الكيالي
مقالات صوفية
المكتبة المرئية
المكتبة المسموعة
مجموعة مخطوطات
كتب تصوف أخرى
تسجيل العضوية
للتواصل والاستفسار
شرح الحكمة العطائية العشرين من كتاب اللطائف الإلهية
الحكمة العشرون:
«أمرك في هذه الدّار بالنّظر في مكوّناته و سيكشف لك في تلك الدّار عن كمال ذاته» .
شرح الحكمة:
قبل الشروع في شرح الحكمة و ذكر المقصود منها أوضح نصها فأقول: أمرك (أي اللّه تعالى) في هذه الدار (أي الدنيا) بالنظر (أي بالتفكر و الاعتبار) في مكوناته (أي مخلوقاته) و سيكشف لك (أيها المسلم) في تلك الدار (أي الآخرة) عن كمال ذاته (أي عنها و ذلك بشهودها مصداقا لقوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نٰاضِرَةٌ (22) إِلىٰ رَبِّهٰا نٰاظِرَةٌ (23) [القيامة:22،23].
أبدأ في الشرح فأقول: إن غاية خلق الإنسان و العالم هي معرفة اللّه تعالى بدليل قوله تعالى: وَ مٰا خَلَقْتُ اَلْجِنَّ وَ اَلْإِنْسَ إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ (56) [الذّاريات:56]فسّر سيدنا عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما قول اللّه تعالى: لِيَعْبُدُونِ [الذّاريات:56] ب «ليعرفون» ، و يكون الحق تعالى عبّر عن الغاية التي هي المعرفة بالوسيلة التي هي العبادة. و العبادة متنوعة منها ما هو حسي متعلق بالجوارح كأركان الإسلام، و منها ما هو معنوي روحي متعلق بركني الإيمان و الإحسان.
و هذه الحكمة تتحدث عن عبادة التفكر و الاعتبار التي تتحقق من خلال النظر في الآفاق و الأنفس، و قد أمرنا اللّه تعالى بها في قوله: قُلِ اُنْظُرُوا مٰا ذٰا فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ [يونس:101]و قوله: وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ رَبَّنٰا مٰا خَلَقْتَ هٰذٰا بٰاطِلاً سُبْحٰانَكَ فَقِنٰا عَذٰابَ اَلنّٰارِ [آل عمران:191]و قوله تعالى: سَنُرِيهِمْ آيٰاتِنٰا فِي اَلْآفٰاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ اَلْحَقُّ [فصّلت:53].
إن النظر في المكونات و التفكر فيها يوصل إلى معرفة اللّه تعالى. قال أبو العتاهية:
و في كل شيء له آية تدل على أنه الواحد
إن الأثر يدل على المؤثر، و الصنعة تدل على الصانع، و قال أعرابي: إن البعرة تدل على البعير، و السير يدل على المسير، أفأرض ذات فجاج و سماء ذات أبراج أفلا تدل على الواحد القهّار. إن نظر هذا الأعرابي في مخلوقات اللّه و تفكره فيها أوصله إلى الاعتراف بوجود اللّه تعالى الواحد القهّار. فكل جزء من أجزاء هذا العالم إما أن يدل على صفة من صفاته تعالى، و إما أن يدل على اسم من أسمائه تعالى، و إما أن يدل على فعل من أفعاله تعالى، فهو بمجموعه يوصل العبد إلى معرفة وحدانية اللّه تعالى في ذاته و صفاته و أفعاله و أحكامه.
و قد أمرنا شرعا بالتفكر في خلق اللّه و لم نؤمر بالتفكر في ذاته تعالى، لأن اللّه عزّ و جل لا يدرك من حيث الحقيقة و الكنه و الماهية، قال اللّه تعالى: لاٰ تُدْرِكُهُ 75
اَلْأَبْصٰارُ [الأنعام:103]. و إنما نعرف منه تعالى صفاته و أسماءه و أفعاله، و نعرف آثار هذه الصفات و الأسماء و الأفعال، لذلك قال النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم:
«تفكروا في آلاء اللّه و لا تفكروا في اللّه» .
و الشريعة المطهرة بما فيها من إسلام و إيمان و إحسان تؤهل الإنسان لرؤية اللّه تعالى في الآخرة مصداقا لقوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نٰاضِرَةٌ (22) إِلىٰ رَبِّهٰا نٰاظِرَةٌ (23) [القيامة:22،23]، و قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم:
«إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته» 1. و هذا هو المقصود من الحكمة في شطرها الأخير:
«و سيكشف لك في تلك الدار عن كمال ذاته» .