أدب المريد من الإخوان - سيدي محمد بن أحمد البوزيدي

قال الشيخ محمد بن أحمد البوزيدي في الآداب المرضية:

ومن أدب المريد أيضاً : أن لا يقطع زيارة إخوانه في ربه، ولا يحقر صغيرهم، ولا يهمل فقيرهم، ولا يرفع نفسه فوق جاههم، فيسير بسيرهم، وينبغي له أن يعظم الصغير ويكرم الفقير ويعلم الجاهل ويتأدب مع الحسن منهم إذ بذلك يسير هو ويسيّرهم، وينبغي للزائر أن يترك الطمع من حيث هو، ويقصد بزيارته وجه الله تعالى، إذ بذلك ينشرح قلب الزائر والمزار.

واعلم أنه ما طمع عبد في عبد مثله إلا فسدت الصحبة وانقطعت المودة ووقع الاغتياب في بعضهم بعضاً والتشاؤم والحسد والبغض والتكبر على بعضهم بعضاً. وهذا كله سببه الطمع، والطمع من أعظم حب الدنيا، والطمع هو المفرق بين الأحبة. فمثلا المحبة كالنار الحامية والطمع كالماء البارد، والماء والنار لا يجتمعان قط. أو نقول: مثل المحبة كالبارود الرفيع والطمع كالنار، مهما التقى هذا مع هذا أعني النار مع البارود ذهب البارود وبقيت النار ، إلى غير ذلك.

وبالجملة: صاحب الطمع لا ينتفع أحد بعلمه وإن علمه للغير، ولا ينتفع بحاله لأنه على حرف، إن أخذ به حاجته فرح، وإن لم يأخذ به حاجته ذهب مذموما مدحوراً. وكيف يكون النفع بعلم من هذه حالته أو بعلمه أو حاله؟ إنما النفع بمن يقصد به وجه الله ، سواء علمه للناس أو عمل هو به، وسواء ذموه عليه أو مدحوه، وسواء عملوا به أم لا.

والفقير الصادق المتجرد المنقطع عن الأسباب إن كان به حاجة فليصبر حتى يفتح الله بها عليه، وإن كان ولا بد وضاقت عليه نفسه فليشاهد الحق في الخلق، وليمد يده للسؤال افتقاراً لله واحتقاراً لنفسه، فإن أعطى شيئاً أخذه من يد الله، والخلق حكمة مستور بها سره سبحانه. وإن منع رأى أن الله منعه من قوت الأشباح ليزداد له ذلك في قوات الأرواح، وهو أحسن وأحسن. ولا يحرم من العطاء في حالة المنع إلا الجاهل الذي يرى العطاء من الخلق. وأما الذي يراه من الحق سبحانه فلا يراه إلا عطاء له في كل حال. كيف والحق سبحانه سمى نفسه الكريم وحاشا من هو وصفه هذا على الدوام أن يحرم عبده، هذا لا يكون قط.

واعلم أن العبد إذا حرم فليعلم أنه من نفسه، وأنه لا يعرف إلا العطاء الحسي الذي هو من الخلق كما قلناه وإن كان يقول: المعطي هو الله. فلو علم هذا المسكين مثلي أنه هو المعطي لرآه المعطي في منعه سبحانه، ولكن إذا أعطاه شهوة نفسه قال : هو المعطى. وإذا منعه وأعطاه في المعنى قال في حق نفسه: هو المحروم، فيرفع الله عنه نعمته الباطنة لجهله فيبيت ويمسي في الهم والغم، فافهم عنه.