قال سيدي محمد بن أحمد البوزيدي في الآداب المرضية:
ومن أدب المريد: أن لا يأخذ شيئاً من متاع الدنيا، قل أو جل، ولو ألحّ عليه الشيخ في ذلك، إلا إذا لم يكن عنده قوت ساعة، وكان قد قصد زيارته لله لا غير، ثم أعطاه شيئاً وألح عليه في أخذه، فليأخذه فلعل فيه خيراً، وقد يكون سبباً لقناعته وغناه القلبي ، فافهم. وأما إن كان عنده قوت يومه فلا يأخذ، وإن ألح عليه فليعتذر إليه جهده، فقد يختبره بذلك، وينظر هل خرج من قلبه الطمع أم لا، فإنك إن أخذت منه على غير الوجه الذي ذكرنا دل على أنك لم ترفع همتك عن الخلق، ولم ينقطع نظرك إلى الحق.
وينبغي لهذا المريد أن يروّض نفسه بترك الطمع، ويلزمها الزهد والورع حتى يعرف من يطعمه ويسقيه ويكسيه، ويحركه ويسكنه، ويحييه ويميته، فإن صاحب الطمع لم يزل تابعا للأشياء ولو عاش ألف سنة، ولو ترك الطمع ورفع همته إلى الله تعالى لكانت الأشياء تابعة له، فافهم. فاصرف يا أخي همتك في الله، واقنع بالقليل تصر شاكراً لله عز وجل، وغاب عن القليل والكثير تكن ذاكراً لله على الكمال، ومن شكر الله على القليل أغنى الله قلبه ورزقه القناعة ومنعه التدبير والاختيار وقطع عنه جيوش الحرص وظلمات الأغيار وكساه رداء السكينة والوقار. هذا سر ترك الطمع في الخلق، ورفع الهمة إلى الملك الحق.
ومن أدب المريد: أن لا يشكو لشيخه حوائج دنياه، فإن عسر عليه شيء فليتوسل إلى الله تعالى بشيخه، ولا يظهر ذلك، ومن أظهر ذلك فقل أن يفلح فإن دخوله في حضرة الشيخ كان بنية الآخرة لا بنية الدنيا ، وحينئذ فلا يطلب خلاف ما قصد، وإن طلبه كان ذلك غشاً منه وسوء أدب. ومن كان على هذا الحال فهو محسوب من العوام، فإن ظهر من المريد شبه هذا فليعترف لله ولرسوله وللشيخ بأنه مسيء الأدب، ثم يتوب إلى الله توبة نصوحاً ظاهراً وباطناً، ظاهراً مع الشيخ وباطناً مع الله ورسوله.
وينبغي له أيضاً أن لا يشتكي للشيخ بالفقر وإذاية الخلق، ولا للإخوان ولا لغيرهم، بل يلزم نفسه المجاهدة والمكابدة، والصبر على معرفة الله، فإن المعرفة أولها صبر ومجاهدة، ثم حب ومكابدة ، ثم غيب ومشاهدة، ثم صحو ومكالمة. فمن كانت بدايته كما ذكرنا كانت نهايته كذلك.
واعلم أن المريد إذا اشتكى للشيخ الفقر والإذاية سقط من عينه إلا إذا كان جاهلاً بعلم الطريق فيعلم، فإذا علم ثم شكا سقط من عينه، لا سيما إن كان يدّعي القرب من الحضرة، ويزعم أنه ثابت في النظرة، فإن شكواه تكذب دعواه، والراسخ في المعرفة لا يخفى. وعند وجود التعرفات يعرف كل واحد حدّه، ولا تبقى دعوى خفية دون وجود البلية ، فافهم.