أدب مجاورة الشيخ - سيدي محمد بن أحمد البوزيدي

قال سيدي محمد بن أحمد البوزيدي في الآداب المرضية لسالك طريق الصوفية:

ومن أدب المريد الصادق  أن لا يجاور شيخه إلا إذا كان خادماً له قائماً بكل ما يحتاج إليه الشيخ من سائر ما يخدمه المماليك وأكثر وأكثر، لأن هذا طالب رضى الحق، والمملوك طالب رضى الخلق، قل من المماليك من هو طالب رضى الحق في الخلق. أدب المملوك بالقهر على نفسه، وأدب الفقير اختياراً عن طيب نفسه، وشتان ما بينهما: 
هذا خادم أهل الأرواح بالأرواح، وهذا خادم أهل النفوس بالنفوس. هذا خادم عالم الصفات بنفسه، وهذا خادم عالم الذات بربه. هذا خادم عالم المعنى بالمعنى والحس حتى يتحقق له أن المعنى عين الحس، وهذا خادم عالم الحس بالحس، حتى يتحقق له أن الحس عين الحس ولا معنى. هذا فاني في الخالق بالخلق، وهذا فاني في الخلق بالخالق. هذا فاني بالعلم في العالم، وهذا فاني في الجهل بالجهل. هذا فاني بالقرب في القرب، وهذا فاني بالبعد في البعد. هذا فاني بالنور في النور، وهذا فاني في الظلمة بالظلمة. هذا فاني بالجمع في الفرق، وهذا فاني بالفرق في بالجمع. هذا فاني بالفعل في الفاعل، وهذا فاني بالفاعل في الفعل. هذا مملوك لله، وهذا مملوك لنفسه. هذا مملوك للمعاني، وهذا مملوك للمحسوسات. هذا مملوك للجمال والجمال مملوك له، وهذا مملوك للجمال والجمال مالك له. هذا مملوك للذات في الصفات والصفة مملوكة له بإذن الذات، وهذا مالك للذات في الصفات والصفة مالكة له بإذن الذات، أحب أم كره. 
هذا فاني بعلم البقاء في الباقي، ولا يزال حتى يرجع عين البقاء، وهذا فاني بعلم الفناء في الفناء ولا يزال حتى يرجع عين الفناء. هذا فاني بعلم الكمال في الكمال ولا يزال حتى يرجع عين الكمال، وهذا فاني بعلم النقص في النقص ولا يزال حتى يرجع عين النقص. هذا فاني بعلم التحقيق في التحقيق ولا يزال حتى يصير عين التحقيق، وهذا فاني بعلم الظن في الظن ولا يزال حتى يصير عين الظن، إلى ما لا نهاية له. 
واعلم  أنه بقدر ما يقول الفقير لنفسه: "كن" فتكون، بقدر ما يقول لربه: "كن" فيكون، ومن فضله على عبده أن ملك له نفسه، ومن عدله سبحانه في عبده أن جعل نفسه قاهرة له مالكة عليه سلطانة. والناس مقامات في ملكيتهم لنفوسهم وملكية نفوسهم لهم. فمنهم من تملكه بالكلية ولا يتحرك معها قليلاً ولا كثيراً، وهم أهل الشر. ومنهم تارة بتارة، وهم أهل الخير. ومنهم من قل أن تغلبه، وهم أهل الصدق. ومنهم من لا يعرفها كيف هي وهم أهل الوصول نفعنا الله ببركاتهم، وجعلنا من أهل حزبهم ووردهم، آمين، بجاه مولانا محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو سيد الأولين والآخرين.