قال الشيخ إسماعيل حقي البروسوي:
قال تعالى: {ألا له الخلق والأمر} تنبيهاً للوجود الخلقي الكوني على أن يتنبه ويمشي على المراتب طارحاً عنه نسبة الوجود لأن هذه النسبة ذنب في الحقيقة، فإن التنبه واليقظة إنما يحصلان بعد السهو والنسيان الحاصلين من الوجود الخلقي، فأما الانتباه فلا سهو ولا نسيان بعده، ولذا لم يكن في الجنة ذكر، لأن الذكر طرد للغفلة، ولا غفلة في الجنة بل هي حضور محض دائم. و
وقلب الإنسان الكامل هو الجنة المعنوية، فإذا لك يكن في الجنة الصورية غفلة، لم يكن في الجنة المعنوية غفلة في الدنيا ولا في الآخرة، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {والذين هم في صلاتهم دائمون}، فإن دوام الصلاة في الليل والنهار إنما هو بعدم النوم، ومنه عرف حال الكمّل، فإنهم يقظانون وهو نائمون، إذ لو لم يكن كذلك لانقطعت صلاتهم، وإليه الإشارة بقوله عليه السلام: "تنام عيناي ولا ينام قلبي"، وقد سئل بعض العارفين عن يوم بلى، فقال: نحن الآن في ذاك اليوم، إشعاراً بحضوره الدائم الذين لم تطرأ عليه غيبة وإلا لم يتذكر.
والخلق إشارة إلى عالم الأجسام، والأمر إلى عالم الأرواح إشارة إلى أنه حصل بالأمر الإلهي، لا في مدة ولا من مادة وبلا واسطة، بل بمجرد الفيض المقدس والنفس الرحماني، وأما عالم الخلق فمن الجسم الطبيعي إلى آخر المواليد، فعالم الأرواح كله حجاب نوراني، وعالم الأجسام كله حجاب ظلماني، والكل سبعون ألف حجاب لا بد للسالك من قطعها، وأنموذج هذا هو الروح والجسم في عالم الأنفس، فإن ما اشتمل عليه عالم الآفاق قد اندرج في عالم الأنفس اندراجاً جملياً.
وقد أثبت الله تعالى هذه العوالم من الخلق والأمر لهويته، كما قال: {ألا له}، أي لهويته، فهو متجل فيها بهويته الذاتية درجة بعد درجة من درجات التنزلات والترقيات، كما أشار إليه قوله تعالى: {رفيع الدرجات} مع إطلاقه الذاتي، ولذا قال: {تبارك الله رب العالمين} يعني أن إضافة العالمين إضافة تربية بمقتضى ربوبيته وألوهيته وبحكم مربوبية العالمين ومألوهيتهم، وإلا فذاته غنية عن العالمين.