قال الشيخ عبد الغني النابلسي في شرح قول الجيلي:
صيامي هو الإمساك عن رؤية السوى وفطري أني نحو وجهك راجع
أخبر أنه يصوم ظاهر الصيام المشروع، ولكن صيامه باطنا هو الإمساك عن رؤية سوى الحق تعالى بحيث لا يرى مع الحق تعالى موجودا أبداً كوجود الحق تعالى، بل يرى الأشياء معدومة مع وجود الحق تعالى، وكذلك يمسك عن تناول الشراب والطعام وسائر المفطرات للصائم، لأنه لا يرى لها وجوداً فى حالة شهوده للحق تعالى، فكيف يتناول ما لا وجود له.
ثم أخبر أنه يفطر إذا دخل الليل الفطر المشروع، ظاهراً يتناول الأشياء المفطرات في حالة نظره إليه فإن ذلك ليله، وهو في باطن الأمر إنما تناول قاصداً وجه الحق تعالى الذي هو إلى شيء من المفطرات وغيرها كما قال تعالى: {فَأَيْنَمَا تُولوا فَتَمَ وَجَهُ الله} فيرجع من الإمساك عن السوى من السوى إلى السوى من حيث هو كون وجه الله تعالى في ذلك السوى.
وقال الشيخ عبد الغني النابلسي في معشراته:
صوم هذا وفطر هذا عن الغير وبالعين عين من في الصياصي
وقال الشيخ علي القاري الوهبي الجفعتري في شرح هذا البيت:
الصوم : شرعاً معروف، واصطلاحاً هو الإمساك عن الرسوم الخلقية وما يقويها، وإليه الإشارة بقوله : عن الغير.
والفطر: هو رؤية الحق وإليه الإشارة بقوله: وبالعين، إذ العين هي الحقيقة هنا لأن عين الشيء حقيقته، وعين الثانية بدلا من العين الأولى، أو عطف بيان .
والمراد بالصياصى لغة الحصون، وهنا يشار بها إلى التعينات مطلقاً لاستتاره بعين الحق وامتناعه بها عن رؤية الغير.
والمعنى: صوم هذا العارف المفهوم مما سبق عن الغير، أي عن غير الحق ، وفطره بالحقيقة التي هي في الصياصي كما قيل: العارف صائم حتى يرى الله فيفطر .