قال سيدي محمد بن أحمد البوزيدي في الآداب المرضية:
ومن أدب المريد: إذا اتخذ شيخاً كاملاً واصلاً موصلاً جامعاً لأنواع الجذب والسلوك يسير على طريقة التجريد والاكتساب كيف شاء، أن لا يلتفت إلى سواه كائناً من كان، وإن التفت إلى سواه فلا ينال ربحاً أبداً ولو اتخذ ألف شيخ كلهم جامعين، لا ينال شيئاً لعدم نيته وقلة صدقه. إذ لو كانت له نية لوجد حاجته في موضع لا يتهم بسر ولا بركة ولا خير قط لقوله صلى الله عليه وسلم: "لو حسن أحدكم نيته في حجر لا نتفع به". وما منع الناس من نيل حوائجهم سوى قلة نيتهم، ولو وجدت النية لوجد الخير كله أين ما كان.
ومن أدب المريد: أن لا يطالب شيخه بالكرامات ولا يخدمه لأجل ذلك، ولا يطلب ذلك إلا من لا عقل له ولا علم ولا خير فيه. والذي ينبغي أن يطلب المريد من شيخه أن يذكره الله، وينسيه نفسه، ويزهده في الدنيا، ويرغبه في الآخرة، ويعرفه بحقيقة ما خُلِق لأجله من العبادات لله خالصاً، ويقهره عن الشهوات بمذاكرته وهمته، ويمنعه الدعاوي، ويحبب له أوصافه، ويقوده إليها بسياسة حتى لا يدري أي وقت حصلها، ويصلحه مع الفقر وغيره حتى يكون الدين كله لله. ولا يبلغ المريد حقيقة المحبة والصدق حتى لا يطلب من الشيخ غير ما ذكرنا. وأي شيء أعظم وأكبر وأجل من الاستقامة التي جاءنا بها البشير صلّى الله عليه وسلّم، فما من كرامة ظاهرة وباطنة إلا وهي ناشئة عن ذكر الله وراجعة إليه.
ويكفي الذاكر من الكرامات كونه جالساً في حضرة الله مادام ذاكراً، لما في الحديث القدسي: "أنا جليس من ذكرني وأنا معه حين يذكرني". ومن لم يشعر بهذا تكفيه محبة الشيخ لله: "المرء مع من أحب". ومن لم يقنع بصحبة الأخيار ومجالستهم فهو غير شاكر لنعم الله تعالى عليه. وعدم التفكر موجب لسلب النعم كما أن شكرها موجب لنيل ما هو أعظم من ذلك، قال تعالى: {لئن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}. ويكفي المريد من الشيخ أن كان ضالاً عن الطريق فأرشده إليها وكان لا يتعظ بموعظة فوعظه فاتعظ. فاعقد يا أخي النية الصالحة والظن الحسن واقرب إلى شيخك تهتد وترشد وتنال ما تشاء. وما تعطل الفتح على كثير من الناس إلا لقلة نيتهم وسوء ظنهم في أولياء الله ، نسأل الله اللطف بمنه.