قال سيدي محمد الحراق قدس سره:
واعلم - أعلمك الله خيراً ـ أن الله تعالى يعطي للعبد من نفسه على قدر ما يعطيه العبد في الجنس لا غير، لأن عطاء الله أعظم وأعم، فإن ذكر العبد ربه من نفسه كثيراً ترى الله تعالى يذكره في الخلق كثيراً، وإن كان العبد يحب أن ينشر ذكر الله رأيت الله ينشر ذكره كثيراً حتى تجد الناس يثنون عليه خيراً ويذكرونه بالمشرق وإن كان بالمغرب والملائكة بالسماء وإن كان بالأرض، وإن كان تأخذه الغيرة على الله فينتصر للذاكرين تجد الله تأخذه الغيرة على ذلك العبد فيهلك كل من أراده بسوء انتصاراً له.
ومن ثم هو يغار على أهل المحبة له لأنهم يغارون عليه، وصلاً بوصل وهجراناً بهجران لأنه سبحانه كما تعاملونه في الوجود يعاملك فيه، ولكن معاملته أعظم لأن يد الله هي العليا، ومن المحال عند القوم أن تعامله بطريق من معاملة الخير ولا يعاملك بأعظم منها، هذا مما لا يتصور في عقولهم أصلاً.
ولكن يا ولدي، افهم معاملته، فإن هذا الذي يعامله الله بما ذكرنا هو الذي يعمل، له يتولى هو الجزاء فيها. وأما الذي يعمل لحظ أي حظ كان ولو لتحصيل الجزاء المذكور أو أقل منه أو أكثر فإن هذا لا يرى شيئاً مما ذكرنا، لأنه أخطأ الطريق من أول قدم لأن من يعمل لغيره ضاع عمله لأنه سبحانه لا غير معه، إذ هو غني عن الشريك ذاتاً وصفة وأفعالاً، لأن جميع الذوات من نور ذاته وجميع الصفات من جمال صفاته، وجميع الأفعال من مصادر قدرته، فكل من يعمل لشيء سواه فهو يعمل للعدم المحض ولا يشعر.
ومن تقدم عن كل شيء فمنه ابتداء كل شيء، ومن تأخر عن كل شيء إليه رجع كل شيء، فالكل مرتبط به بداية ونهاية، فأين الموجود معه؟
كلا والله ما معه من موجود أصلاً إلا بطريق الشريعة المجازية لا بطريق الحقيقة التي قام بها كل شيء وارتبط بوجودها، ولولاها لم يكن له وجود، وحاصل هذا المنال إنما يناله من يكون علمه الله لا لشيء سواه، أي شيء كان ذلك السوى. ونسأل الله سبحانه أن يرينا وإياكم في مدارج اليقين حتى يكون عملنا وإياكم بالله حتى يستريح الإنسان من شهوده منه فيأمن من عوارض بطلانه بل هو مستريح منه جملة والسلام.