قال الشيخ محمد إليف حصيري زاده السعدي المتوفى في عام 1927 ميلادية:
الوحدة ثابتة، والتوحيد اعتباري بالنسبة إليها وليس إلا باعتبار الوهم، وإنما يقصد بالتوحيد في الشرع تطهير الأذهان عن الخيالات الناشئة من غلطات الوهم. ولا يتحقق الموحد بالتوحيد إلا بالفناء الأتم عن وجوده الموهوم، ولا يتيسر له ذلك إلا بالتطهير من أوحال التوحيد الوهمي الخلقي الحادث المنسوب إليه.
فإذا حصل ذلك زالت الأدخنة الناشئة من الأوهام الفاسدة والخيالات الباطلة، فحينئذ تنجلي شمس الوحدة الذاتية. وكل ما قيل أو يقال عن التوحيد مبعد عن الحقيقة، فخذ التوحيد من القرآن امتثالاً لأوامر الله، ومن السنة اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، تفز من الهلاك وتنج من الغير.
والقيل والقال في الوحدة، أعني وحدة الوجود، لا يغني من الحق شيئاً، فاجتنب عن الخوض فيه، إذ إنما هو ذوق وشهود لا يتيسر بالقال بل بالحال، وذلك بعد ثمرة الذكر، أولا بالذكر اللساني مع الطهارة الشرعية وطهارة الباطن على قدر الاستطاعة، والنية الصالحة وهي قصد العبودية لله تعالى وحده خالصاً من شوائب حظوظ النفس، وصولاً إلى الذكر القلبي وهو الحضور مع الحق والخشوع بين يديه ومراقبة الذاكر نفسه وقلبه لدفع الغفلة، فهذا يوصل إلى ذكر السر وهو ذكر الحق سبحانه نفسه في سر العبد، والسر هو لطيفة إلهية مودعة في القلب هي حصة العبد من الحق، وهو محل التجلي والمشاهدة.
وذكر السر لا تسمعه الحفظة ولا تشعر به الملائكة ولا حتى الذاكر لفنائه عن نفسه وعن الذكر، وانمحاء جميع صفاته في المذكور، حتى يغيب عن نفسه وعن الذكر والمذكور لكون الذاكر هو الحق سبحانه في سر العبد ووحدة الذكر والذاكر والمذكور فتفنى صفات العبد وتضمحل ويصير هو بكليته عين الذكر مع عدم شعور منه به. وقد قلت في هذه المعاني:
أسقط الياء والكافات إن رمت للتوحيد شرحاً كافيا
لا تقل بياء أنا ولا كاف أنت وكن للخيال والظل ماحيا
أنت في بحر الوجود كدر فانعدم حتى تراه صافيا