قال الشيخ حسين بن علي الكاشفي المعروف بالواعظ الهروي في رشحات عين الحياة، مقتبساً من رسائل مشايخ الطريقة بشأن السلوك:
اعلم أن أقرب السبل إلى المطلب الأعلى والمقصد الأسنى، وهو اللّه سبحانه و تعالى هو رفع حجب التعيّنات عن وجه الأحدية السارية في الكل بالمحو والفناء في الوحدة حتى تشرق سبحات جلاله فتحرق ما سواه. وهو تفصيل مجمل التوحيد الذي هو المقصود من خلق العالم وإيجاد بني آدم، كما قال تعالى: {وَمٰا خَلَقْتُ اَلْجِنَّ وَ اَلْإِنْسَ إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ} أي: ليعرفون.
فمن أراد الاشتغال بهذه الطريقة ينبغي له أولا أن يحضر صورة شيخه الذي أخذ النسبة عنه في خاطره حتى تظهر فيه نسبة عدم الشعور فيكون ملازما لتلك النسبة ثم يتوجه مع هذه الصورة بالخيال الذي هو مرآة الروح المطلق إلى نقطة القلب ويسلّم نفسه إلى تلك النسبة، وكلما تتقوى هذه النسبة يقلّ الشعور بهذا العالم. ويقال لتلك الحالة: عدماَ وغيبة، فإذا بلغت هذه النسبة وعدم الشعور ومرتبة لا يبقى فيها شعور بوجود الغير يقال لها: الفناء.
وليكن ناظراً إلى هذه النسبة بعين قلبه وحاضراً بها دائما في الأسواق، والذهاب والقعود، والبيع والشراء، والأكل والنوم، إلى أن تصير ملكة، فيتوجه بأذنه وسمعه وجميع قواه إلى القلب الذي هو عبارة عن الحقيقة الجامعة الإنسانية التي تفصيلها جميع الكائنات من العلويات و السفليات. وهي وإن كانت منزهة عن الحلول في الأجسام، لكن لما كانت بينها وبين القلب الصنوبري نسبة وارتباط ينبغي أن يتوجه هذا القلب الصنوبري وينبغي أن يصرف الفكر والخيال وجميع القوى إلى هذا القلب، حاضرا به وينفي كل فكر وارد على القلب بالتوجه إلى حقيقة القلب، و أن لا يشتغل بالفكر الجزئي وأن يلتجىء بكليته إلى حقيقته المجملة حتى ينتفي هذا الفكر، فإن لم ينتف بهذا ينبغي أن يتأمل بقلبه كلمة: لا إله إلا اللّه، بأن يتصور: "لا موجود إلا اللّه"، فيرى أي نوع كانت موجودة من الموجودات الذهنية والمدارك الحسية في الحقيقة قائمة باللّه تعالى، بل يراها عين الحق لأنها من بعض ظهورات الحق.
فإذا تحقق لديه غيب الحضور يكون الفكر في حقائق الأشياء والتوجه إلى الجزئيات عين الكفر أي الستر عن الحقيقة، بل لا ينبغي في هذا الحال الفكر في أسماء اللّه تعالى أو صفاته، فإن عرض الفكر فيها بنفسه ينبغي أن ينفيه بالطرق المذكورة، فإن مطلب روحانية هذه الطائفة العلية التوجه إلى المحو و الفناء الذي هو مبدأ حدود الحيرة ومقام تجلي أنوار الذات. ولا بقاء للوجود في هذا المقام، ولا شك أن فكر الأسماء و الصفات أدنى من هذا المقام بمراتب.
وينبغي أن يجعل هذه الحقيقة الجامعة نصب عينيه في الأسواق والتكلم والأكل والشرب وجميع الحالات، ويراها حاضرة ولا يغفل عنها بالتوجه إلى الصور الجزئية، بل ينبغي أن يرى جميع الأشياء قائما بها ويجتهد أن يشاهدها في كل المستحسنات والمستقبحات حتى يصل إلى مرتبة يرى نفسه في جميع الأشياء ويشاهد الأشياء كلها مرآة لكمال جماله بل يجد الكل أجزاء نفسه.