الشرك الخفي ادعاء أوصاف الحق تعالى - سيدي عبد المحمود بن نور الدائم الطيبي

قال سيدي عبد المحمود بن نور الدائم الطيبي في شرحه على الحكم الطيبية، عند قوله: إن أردت ألا تكون مشاركا بوحدة ذاته لا تدَّع أوصافة المختصّة به، وهي : الوجود ولوازمه.
 أي إن أردت، أيها المريد، الطالب المزيد، لأن لا تكون مشركا بوحدة ذاته الموصوفة بصفات الكمال والجمال، والجلال افلا تدع، لأن الادعاء إذا كان صاحبها محقًا إذ الدعوى الصادقة تحدث فى القلب ظلمة، فما بالك بالكاذبة. 
وسئل سيدي إسماعيل بن نجيد السلمي جد سيدي أبي عبد الرحمن السلمي رضى الله عنهما عن هذه الدعاوى من أين تتولد؟ فقال: من الاغترار، وتستوطن الأسرار. وكان يقول : إنما تتولد الدعاوى من فساد الابتداء، فمن صحت بدايته صحت نهايته، ومن فسدت بدايته فسدت نهايته. وكان ذو النون يقول كل مُذع محتجوب بدعواه. 
والوجود ولوازمه هو ما ينضم إليه كالعلم والقدرة والغنى وغير ذلك فالادعاء لما ذكر وهو من أقبح القبيح . وعبارة الحكم العطائية وشارحها الإمام الشرقاوي: "منعك أن تدعي ما ليس لك مما هو للمخلوقين من الأموال وسماه تعالى عدوانا وظلمًا، أفيبيح لك أن تدّعي وصفه وهو رب العالمين؟ أي: فيكون ادعاؤك ذلك من أعظم الظلم، وأشد العدوان فإذا ادعيت أنك غني، أو قادر، أو عزيز، أو قوي، أو عالم، كما يقع لبعض الناس كان ذلك من كبائر معاصي القلب، ومن مشاركة المربوب للرب، ومن أفحش الفواحش عند العارفين وجود شيء من الشركة بادعاء شيء من أوصاف الربوبية لنفسه اعتقادا، أو قولاً، لأن ذلك منازعة له، وتكبر عليه. 
وفى الحديث: "الكبرياء ردائى والعظمة إزاري فمن نازعنى واحدة منهما ألقيته في النار" - وفي رواية - قصمته. ومعنى المنازعة الدعوى بالعبارة ، أو الاعتقاد. 
وإضافة هذين الوصفين لله تعالى كناية عن شدة الاختصاص بهما. حكي عن الشيخ عبادة المالكي رضي الله عنه أنه اجتمع بسيدي الشيخ مدين رضي الله عنه فلم يعظمه ولم يلتفت إليه، فقال له: يا سيدي ما منعك أن تعطيني حقي في الإكرام؟ فقال: كيف وأنت مشرك؟ فقال: ما وجه إشراكي؟ قال: حالك الذي أنت فيه الآن، وطلبك التعظيم والخضوع، وليس ذلك إلا لله تعالى، فمن ينازع الله فيما يستحقه، ويطلب أن يكون له مثله كيف يكرم، وإنما يستحق الإهانة والاحتقار، فسكت الشيخ عبادة ساعة، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، تبت إلى الله تعالى، وهذا أوان دخولي في الإسلام، يعني كماله، وصدق - رحمه الله - لأن الإسلام هو الانقياد وترك المنازعة لله فى أوصافه وما يستحقه. اهـ.