قال الشيخ محمد بن أحمد البوزيدي قدس سره:
ومن أدب المريد: أن لا يكتم محبة الله ورسوله وشيخه وإخوانه إن كان له قلب، فإن في إظهارها زيادة إلى الله عز وجل ، قال تعالى: {فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}، أي: محبتكم. وإظهارها يكون بالخدمة والتعظيم والتحدث باللسان .
واعلم أن المحبة هي أفضل الأعمال ، وقد يبلغ العبد بالمحبة ما لا يبلغه غيره بكثير من الأعمال الزكية. وقد قال شيخنا مولاي العربي الدرقاوي رضي الله عنه: "الشوق يوصل إلى الله بالطريق أو بغير الطريق"، لأن ثمرة الأعمال كلها راجعة إلى المحبة والشوق، ولا فرق بين المحبة والشوق إذ هما اسمان لشيء واحد، والمتمسك بالمحبة لا يفوته شيء من الخير، فتأمل ذلك فإنه رقيق، وألزم نفسك الأحوال التي تنبت المحبة والشوق لتقرب عليك الطريق، والله المعين.
وفي إظهارها أيضاً زيادة المحبة والتعظيم لمن أراد الاقتداء بأحوال الإخوان، لكونه رأى نفسه ليست بأهل لأحوال الشيخ، لأن أحوال الشيخ رضي الله عنه كبيرة على أهل الصدق فضلاً عن أحواله، فأقواله شهاب الحضرة تحرق النفوس البعيدة المدنسة بالشهوات، كيف يتلقاها الضعيف مثلي، ومن هنا كان كلام أهل الإخلاص ثقيلاً لا يقدر أحد على العمل به، بخلاف كلام الإخوان فإنه يخف من بعضهم على بعض لعدم التمكين في الإخلاص، والنفس تشم رائحة البقية فتسكن إليها وتطمئن، فلا تزال تسمع منهم حتى تحمل أحوالهم، فإذا اندرست بحال الإخوان واستمرت معها عادت تحمل أقوال الشيخ، فإذا اندرست بأقواله عادت تحمل أحواله، فإذا اندرست بأحواله حصل لها التمكن في الإخلاص، والله تعالى أعلم.
ولا تظن أن كل من دخل يد العارفين دخل بالنية والصدق، فإن النية أمر عظيم، فما بالك بالصدق، بل الداخلون على ثلاثة أقسام: منهم من دخل بالنية والصدق، ومنهم من دخل بالنية دون الصدق، ومنهم من دخل بغير نية ولا صدق. فصاحب النية والصدق فتحه بمجرد وصوله، وصاحب النية فتحه بعد وصوله، والذي لا نية له ولا صدق يطول فتحه لأنه قد يحتاج إلى معالجة كبيرة، وقد يمكث المريد مع الشيخ الثلاثين والأربعين سنة ولا يكمل صدقه، إذ الصدق أمر عظيم، ومن كمل صدقه كملت ولايته، ومن علامة كمال الصدق أن لا يشير إليه أستاذه بشيء إلا فعله ولو مزاحاً، ولا يفعل شيئاً بغير إذنه، حتى لو تيسر له أن يشاوره في كل ما يتقوت به لما أكل شيئاً إلا بإذنه، وهذا حال كبير.