قال الشيخ عمار البدليسي، شيخ سيدي نجم الدين الكبرى:
اعلم أن المفتقر إلى الله، إذا سأل من الله غير الله، فقد خرج من طلب ما يعنيه إلى طلب ما لا يعنيه، وبذلك يوشك أن يطرد ويمقت ويحجب. إذ في حكم الحقيقة: كل من سأل من الله غير الله وهو مفتقر إلى الله، فقد أشرك. لأن في نظر المفتقر إلى الله ليس إلا الله، وفي خاطره لا يقع إلا الله، وعلى لسانه لا يجري إلا اسم الله، وفي قلبه لا يوجد إلا حب الله، والقلب مستغرق في الله، فكيف يعلم أن في الوجود غير الله وقد أنساه الله جميع ما سوى الله؟ فهو الناسي لما سوى الله، الفاني في الله أينما كان.
فهو مع الله، لا يتغير عن الطلب لله، ومقامه افتقاره هو الشرب من شواهد الله، فهو السائر إلى الله الواصل إلى مقامات تجلي الصفات، وفي عين هذا التجلي هو في مقام الافتقار إلى الموصوف، المستغني عن جميع الشواهد. قال بعض الكبار: "إذا تم الفقر فهو الله"، وهو انتهاء قدم الافتقار إلى الله في طريق الله مما سوى الله ليصبح استغناء بالله.
فالفقر التام هو أن يصل المفتقر إلى الله من طريق السلوك والذوق إلى أن يجد لذة معرفة الله فيستغرق فيه حتى يفنى فيه. فإذ لك تبق منه بقية اتصف بصفة لبقاء، فيبقى به ويخبر عنه به فيتم الفقر، لأنه أخبر نفسه بنفسه عن الله تعالى فأخبر عن الله بالله. وتمام الفقر بالله أن لا يبقى افتقار، ومن لا افتقار له في كل حال فهو الله، فليس هذا من صفة الخلق لأن صفة الخلق دوام الافتقار إلى الله. فالمفتقر إلى الله عما سوى الله هو المستغنى بالله عما سوى الله، فلا حاجة له إلا إلى الله.
فهو في مقام التجلي: بين تجلي صفات الذات، وتجلي صفات الأسماء، وتجلي صفات الأفعال، فصات عاداته عبادات، وعباداته إشارات، وحركاته حالات، وإرادته واردات، مقالاته مناجيات، ومعاملاته مشاهدات، وساعاته منازلات، وغضبه مهلكات، ورضاه منجيات. فلما عرف صلى الله عليه وسلم ما في الفقر امتدحه وقال: "الفقر فخري"، فصفة فقره الافتقار عما سوى الله والاستغناء بالله، كما قال عليه الصلاة والسلام: "إني أبيت عند ربي فيطعمني ويسقيني".