قال الشيخ محمود أبو الشامات الشاذلي اليشرطي في شرحه على الحكم العطائية:
اعلم أن الله تعالى لا يزيد عزه إقبال المقبل ولا ينقصه إدبار المدبر، لأنه تعالى وجودهم وقيومهم بل هم في حال رؤيتهم نفوسهم في الوجود عدم عند أرباب الشهود لذلك قال:
"وصولك إلى الله وصولك إلى العلم به وإلا جل ربنا أن يتصل به شيء أو يتصل بشيء".
أقول: إن الوصول الذي هو الالتئام في النهايات الواقع بين وجودين متغايرين مستحيل عليه تعالى، وإنما الوصول المعروف عند السادة الصوفية من قولهم: «فلان وصل إلى الله تعالى وفلان من الواصلين» هو وصول إلى العلم به تعالى، بأنه هو ما كان فيتوهم أنه غيره تعالى، لأنه قيوم كل شيء ووجوده، وبه ظهر، فالمحجوب محجوب عنه بالوهم لا بوجود موجود معه، والواصل واصل إليه بالعلم لا بمسافة مانعة عنه.
فالوصول الذاتي إليه تعالى هو بالعلم به أنه هو الواصل لا على معنى حلول ولا اتحاد، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وكذلك القرب الذاتي الذي شرع بشأنه يقول: (قربك منه أن تكون مشاهداً لقربه منك وإلا فمن أين أنت ووجود قربه).
أقول: إن القرب الذي هو الدنو، وهو ضد البعد الذي هو الامتداد المتعلق بالأجسام، مستحيل عليه تعالى، وإنما القرب الموصوف به تعالى والمنعوت به العبد المقرب هو كما قاله المؤلف قدس سره: «أن تكون مشاهداً قربه تعالى منك» أعنى أنه أقرب إليك منك، لأنه تعالى هو الوجود المطلق وحقيقة كل مقيد، فهذه المشاهدة من العبد هى عين القرب، وإلا يعنى إذا لم يكن المعنى كذلك وكان كما يخطر في أفكار المحجوبين المدعين مع الله وجود لهم فهذا هو المستحيل الباطل، لأنه يلزم منه الجهة والاحتياج، وأمثال ذلك مما يوصف به الحادث، كيف وهو تعالى الوجود المطلق وغيره عدم محض ما شم رائحة الوجود أصلاً، وهذا الأمر لا يدرك من طريق العقل بل لا بد له من سلوك على يد شيخ كامل حتى تنفتح عين بصيرته، وتأتيه الموارد الإلهية فحينئذ يحصل له الذوق.