قال الشيخ أبو بكر بناني الشاذلي الدرقاوي قدس سره ونفعنا به:
قد تقرّر أن الله سبحانه وتعالى غني عن العوالم العلوية والسفلية، كما شهد بذلك على نفسه وأعطته الأدلة العقلية والشرعية، وذلك المعنى هو الذي أفادنا أن المقصود منا هو وجود العبودية في جميع أحوال التلوين وأحوال التمكين، بحيث إذا فارق العبد زينته التي هي حالة العبودية إلا ظهرت عورته وانكشفت نقائصه، لأن العبد من حيث هو أحواله وأوصافه كلها نقص. لولا سترة زينة العبودية التي هي أسرار الربوبية ما قامت له قائمة ولا اهتدى إلى شوارق أنوار حقيقته. لكن الحق من فيض كرمه أن عرّفنا سبيل النجاة وحذرنا من كل ما يكشف منا العورات بقوله: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد}.
أي يا أبناء النقص والعيب الزموا حلة العبودية عند كل تجل من تجلياتي الجلالية والجمالية، فإن ذلك أليق بمقامكم وأسلم لوجودكم لأنني أنا المتجلي لكم عند كل مقام وفي كل مقام ومن كل مقام، وأنا الظاهر في عالم النكرة وعالم المعرفة، ومرادي في التلوين كمال معرفتكم كي لا تجهلوني في حال من الأحوال إذ لذلك خلقتكم وبذلك أمرتكم.
فالكامل في أوصاف عبوديته هو الذي عرف ربّه عند كل مسجد، أي حيث تبرز له أنوار القدرة بنعت التلوين، فكان ملازماً للباس العبودية الذي طرازه التواضع لكل مظهر من المظاهر، وسداه الاستقامة التي هي الاعتدال في برزخية التلوين والتمكين ولحمته الإخلاص بنعت القطاع لكل ذيل الحدثان. فإذا كان العبد متحلياً بهذه الحالة في القبضتين، أعني اللطف والقهر، فهو الذي يستحق اسم العبودية وينادى بيا عبد الله على طريق الخصوصية بنعت كونه يصير محط نظر الله من العالم.